للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مدرسة السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون:]

شرع في بنائها في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وكان في موضعها دور وإسطبلات. قال المقريزي: لا يعرف ببلاد الإسلام معبد من معابد المسلمين يحكي هذه المدرسة في كبر قالبها، وحسن هندامها، وضخامة شكلها، قامت العمارة فيها مدة ثلاث سنين، لا تبطل يوما واحدا، وأرصد لمصروفها في كل يوم عشرين ألف درهم، منها نحو ألف مثقال ذهبًا، حتى قال السلطان: لولا أن يقال: ملك مصر عجز عن إتمام ما بناه لتركت بناءها؛ من كثرة ما صرف.

وذرع إيوانها الكبير خمسة وستون ذراعا في مثلها، ويقال: إنه أكبر من إيوان كسرى بخمسة أذرع، وبها أربع مدارس للمذاهب الأربعة.

قال الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر: يقال: إن السلطان حسن أراد أن يعمل في مدرسته درس فرائض، فقال البهاء السبكي: هو باب من أبواب الفقه، فأعرض عن ذلك. فاتفق وقوع قضية في الفرائض مشكلة، فسئل عنها السبكي، فلم يجب عنها، فأرسلوا إلى الشيخ شمس الدين الكلائي (١) فقال: إذا كانت الفرائض بابًا من أبواب الفقه، فما له لا يجيب؟ فشق ذلك على بهاء الدين وندم على ما قال.

وكان السلطان قد عزم على أن يبني أربع منائر، يؤذنون عليها، فتمت ثلاث منائر إلى أن كان يوم السبت سادس ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وسبعمائة، سقطت المنارة التي على الباب، فهلك تحتها نحو ثلاثمائة نفس من الأيتام الذي كانوا قد رتبوا بمكتب السبيل ومن غيرهم، فلهج الناس بأن ذلك ينذر بزوال الدولة، فقال الشيخ بهاء الدين السبكي في ذلك أبياتا:

أبشر فسعدك يا سلطان مصر أتى ... بشيره بمقال سار كالمثل


(١) الكلائي، بالفتح، منسوب لكفر كلا الباب بالغربية.