للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الفلك الذي تدور فيه الشمس والقمر، وهو شبه الرحا، قال: إني أريد ان اركبه فأدور فيه- فقال بعض العلماء: إنه قد ركبته؛ حتى دار الدنيا وقال بعضهم: لم يركبه- فقال له يا حامد: إنه سيأتيك من الجنة رزق، فلا تؤثر عليه شيئًا من الدنيا، فإنه لا ينبغي لشيء من الجنة أن يؤثر عليه شيء من الدنيا عن لم تؤثر عليه شيئًا من الدنيا بقي ما بقيت.

قال: فبينا هو كذلك واقف، إذ نزل عليه عنقود من عنب فيه ثلاثة أصناف لون كالزبرجد الأخضر، ولون كالياقوت الأحمر، ولون كاللؤلؤ الأبيض، ثم قال له: يا حامد، أما إن هذا من حصرم الجنة، وليس من طيب عنبها، فارجع يا حامد، فقد انتهى إليك علم النيل، فقال: هذه الثلاثة التي تغيض في الأرض، ما هي؟ قال: أحدهما الفرات، والآخر دجلة، والآخر جيحان، فارجع.

فرجع حتى انتهى إلى الدابة التي ركبها، فركبها، فلما أهوت الشمس لتغرب قذفت به من جانب البحر، فأقبل حتى انتهى إلى عمران، فوجده ميتًا فدفنه، وأقام على قبره ثلاثا، فأقبل شيخ متشبه بالناس أغر من السجود، ثم أقبل إلى حامد، فسلم عليه، ثم قال له: يا حامد، ما انتهى إليك من علم هذا النيل؟ فأخبره، فلما أخبره، قال له: هكذا نجده في الكتب، ثم أطرى (١) ذلك التفاح في عينيه، وقال: ألا تأكل منه؟ قال: معي رزقي، قد أعطيته من الجنة ونهيت أن أوثر شيئًا من الدنيا، قال: صدقت يا حامد، هل ينبغي لشيء من الجنة أن يؤثر بشيء من الدنيا، وهل رأيت في الدنيا مثل هذا التفاح؟ إنما أنبتت له في الأرض ليس من الدنيا، وإنما هذه الشجرة من الجنة، أخرجها الله لعمران يأكل منها، وما تركها إلا لك، ولو قد وليت عنها رفعت، فلم يزل يطريها في عينيه، حتى أخذ منها تفاحة، فعضها، فلما عضها عض


(١) ح، ط: "طرى"، وما أثبته من الأصل.