للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال ابن الصلاح:" قلت: وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله" (١).

فالخطيب يرجح ههنا مذهب أهل الفقه والأصول على مذهب أهل الحديث، ثم يصحح ابن الصلاح ترجيحه، وهما يكتبان في كتاب مصطلح أهل الحديث!

وتأمل بعد قول النووي في حكم الإجازة بالمناولة المجردة:" بأنه يناوله مقتصراً على: هذا سماعي، فلا تجوز الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول، وعابوا المحدثين المجوزين " (٢).

ولذا قال الحافظ ابن حجر في مبحث شروط الخبر المتواتر:" وإنما أبهمتُ شروط المتواتر في الأصل-يريد نخبة الفكر-؛ لأنه على هذه الكيفية ليس من مباحث علم الإسناد" (٣) ..

ومنه: اعتراض ابن دقيق العيد الشافعي على قول ابن الصلاح في حد الحديث الصحيح (ولا شاذاً ولا معللاً) قال:" في قوله: "ولا شاذا ولا معللا" نظر على مقتضى مذاهب الفقهاء؛ فإن كثيراً من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء" (٤).

وهكذا فإنّ كتب المصطلح لم تكتب في الغالب بأقلام المحدثين أنفسهم، وإنما بأقلام الفقهاء وأهل الأصول، فظهرت النكهة الفقهية في غالب أبواب المصطلح، وهذا ليس انتقاصاً من جهودهم الكبيرة أو تقليلاً لشأن الأئمة الكبار كالخطيب وابن الصلاح والنووي .. وغيرهم، ولكن من باب وضع الأمور في أنصبتها، ولمعرفة السبب الحقيقي وراء تأثر مصطلح الحديث بأراء الفقهاء غالباً، مما أثر ذلك على الميزان النقدي، والمنهجية العلمية في قبول أحاديث الأئمة المتقدمين أو ردها، فكم من حديث أعله متأخر أو معاصر على أساس قواعد المصطلح! التي هي في الأصل قواعد الفقهاء والأصوليين.

وقد قال الشيخ الألباني رحمه الله:" يلزم الفقيه أن يكون محدثاً، ولا يلزم المحدث أنْ يكون فقيهاً؛ لأنّ المحدث فقيه بطبيعة الحال، هل كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يدرسون الفقه أم لا؟ وما هو الفقه الذي كانوا يتدارسونه؟ وما كانوا يأخذونه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذن هم يدرسون الحديث؟ أما هؤلاء الفقهاء يدرسون أقوال العلماء وفقههم ولا يدرسون حديث نبيهم الذي هو منبع الفقه، فهؤلاء يقال لهم: يجب أن تدرسوا علم الحديث، إذ أننا لا نتصور فقها صحيحاً بدون معرفة الحديث حفظاً


(١) علوم الحديث الشهير بالمقدمة ص٧٢. وقد تعقبهما الحافظ في النكت ٢/ ٦٠٤ فلينظر.
(٢) تقريب النوواي ص٦٣.
(٣) نزهة النظر ص٤٢.
(٤) الاقتراح ص٥.

<<  <   >  >>