للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قال الخطابي: قوله: "حَلْ حَلْ": كلمة معناها الزجر، يقال في زجر البعير: حل -بالتخفيف- ويقال: حَلحَلتُ الإبلَ إذا زجرتَها لتنبعث.
وأما قوله: "خلأت القصواء" فإن. الخلأ في الإبل، كالحران في الخيل، ومنه قول زهير: بِآرِزَةِ الفَقَارَةِ لم يَخُنها ... قطافٌ في الركاب ولا خِلاءُ
والقصواء: اسم ناقته، وكانت مقصوَّة الأُذنَ -وهو أن يقطع طرفاً من الأذن- يقال: نافة قصواء، ولم يقولوا: جمل أقصى، ومعناه المقصوة، جاء بلفظ فاعل ومعناه مفعول.
وقوله: "ما خلأت، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل" يريد أن الخلاء لم يكن لها بخلق فيما مضى، ولكن الله حبسها عن دخول مكة كما حبس الفيل حين جاء به أبرهة الحبشي يريد هدم الكعبة واستباحة الحرم، ويشبه أن يكون المعنى في ذلك، وفي التمثيل بحبس الفيل أن أصحابه لو دخلوا مكة لوقع بينهم وبين قريش قتال في الحرم وأُريق فيه دماء، وكان منه الفساد والفناء، ولعل الله سبحانه قد سبق في علمه ومضى في قضائه أنه سيُسلم جماعة من أولئك الكفار في غابر الزمان، وسيخرج من أصلابهم قوم مؤمنون يعبدون الله ويوحدونه، فلو استُبيحت مكةُ، وأتى القتل عليهم لانقطع ذلك النسل، ولبطلت تلك العواقب.
وقوله: "والذى نفسي بيده، لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حُرُمات الله إلا أعطيتهم إياها" يريد -والله أعلم- المصالحة والجنوح إلى المسالمة، وترك القتال في الحرم، والكف عن إراقة الدم فيه، وهو معنى تعظيم حُرُمات الله.
وقوله: "حتى نزل على ثمد"، فالثمد: الماء القليل، ويقال: ماء مثمود إذا كثرت عليه الشفاه حتى يفنى وينزف.
قال: وأما مسُّ عروة بن مسعود لحية رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- في أثناء مخاطبته وتناوله إياها بيده، فإن ذلك شكل من أشكال العرب وعادة من عاداتهم، يفعل الرجل ذلك بصاحبه إذا حدّثه، ويجري ذلك مجرى الملاطفة من بعضهم، وكان -صلَّى الله عليه وسلم- لا يدفعه عن ذلك، استمالة لقلبه، ولما كان يرجوه من إسلامه، ثم هداه الله بعدُ فحسُن إسلامه، وكان رئيسا في ثقيف، وكان المغيرة بن شعبة يمنعه من ذلك الفعل تعظيما لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- وتوقيراً له وإجلالاً لقدره. وإنما يفعل الرجل ذلك بنظيره وخليطه المساوي له في الدرجة والمنزلة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>