للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الغِمادِ) (٥٥) لَقِيَهُ ابنُ الدَّغِنَةِ -وهو سيدُ (القارَةِ) - فقالَ: أينَ تريدُ يا أبا بكرٍ؟ فقالَ أبو بكرٍ: أخْرَجَني قومي، فأُرِيدُ أنْ أسِيْحَ في الأرضِ، وأعبدَ ربِّي، فقالَ ابنُ الدَّغِنةِ: فإنَّ مِثْلَكَ يا أبا بكرٍ! لا يَخْرُجُ ولا يُخْرَجُ، إنَّك تَكْسِبُ المَعْدُومَ (٥٦)، وتَصِلُ الرَّحِمَ، وتحْمِلُ الكَلِّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ على نوائِبِ الحقِّ، فأنا لكَ جارٌ ارْجِعْ واعْبُدْ ربَّكَ ببلدِكَ. فرجَعَ، وارْتَحَلَ معهُ ابنُ الدَّغِنةِ.

فطافَ ابنُ الدَّغِنةِ عَشِيَّة في أشرافِ [كُفَّارِ ٣/ ٥٨]، قريشٍ، فقالَ لهُم: إنَّ أبا بكرٍ لا يَخْرُجُ مِثْلُهُ، ولا يُخْرَجُ، أتُخْرِجونَ رجلًا يَكْسِبُ المَعْدُومَ، ويصِلُ الرحمَ، ويحْمِلُ الكَلَّ، ويَقْرِي الضَّيْفَ، ويُعِيْنُ على نوائِبِ الحقِّ؟!

فلمْ تُكذِّبْ قريشٌ بجِوارِ ابنِ الدَّغِنةِ، [وآمَنُوا أبا بكرٍ]، وقالوا لابن الدَّغِنةِ: مُرْ أبا بكرٍ فلْيَعْبُدْ ربّهُ في دارهِ، فليُصَلِّ فيها، ولْيقرأْ مَا شاءَ، ولا يُؤذِينا بذَلكَ، ولا يَسْتَعْلِنُ بهِ؛ فإنا نخْشى أنْ يَفْتِنَ نساءَنا وأبناءَنا. فقالَ ذلك ابنُ الدَّغِنةِ لأبي بكرٍ، فلَبِثَ أبو بكرٍ بذلك يعبُدُ ربَّه في داره، ولا يَسْتَعْلِنُ بصلاتِه، ولا يقرأُ في غيرِ دارِهِ.

ثمَّ بدا لأبي بكرٍ فابْتَنى مسجداً بفِناءِ دارِهِ، [وبَرَزَ]، وكانَ يُصَلِّي فيهِ، ويقرأُ القرآنَ، فيَنْقَذِفُ (وفي روايةٍ: فيَتَقَصَّفُ. وفي أخرى: فيَقِفُ ١/ ١٢٢) عليهِ نساءُ المشركينَ وأبناؤُهُم، وهُم يَعْجَبُونَ منهُ، وينظُرونَ إليهِ، وكانَ أبو بكر رجلًا بكَّاءً، لا يملِكُ عينَيْهِ إذا قرأَ القرآنَ، فأفْزعَ ذلكَ أشرافَ قريش مِن المشركينَ، فأَرْسَلوا إلى


(٥٥) موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن. و (القارة): قبيلة مشهورة من بني الهُونِ -بالضم- ابن خزيمة.
(٥٦) أي: تعطي الناس مما لا يجدونه عند غيرك. وقوله: "وتحمل الكلَّ"؛ أي: وتعين من لا يستقل بأمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>