للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا يدل على عظم منزلته -أي يزيد بن معاوية- عنده حتى يدخله في جملة الزهاد من الصحابة والتابعين الذين يقتدى بقولهم ويستفاد من وعظهم، وما أدخله إلا في جملة الصحابة قبل أن يخرج إلى ذكر التابعين، فأين هذا من ذكر المؤرخين له في شربه الخمر وارتكابه أنواع الفجور، ألا يستحيون؟! وإذا سلبهم الله المروءة والحياء، ألا ترعوون أنتم وتزدجرون وتقتدون بفضلاء الأمة، وترفضون الملحدة والمجان من المنتمين إلى الملة (١).

وقد اتفق أهل العلم والعقل والسنة والجماعة على أن يزيد كان ملكا من ملوك المسلمين له حسنات وله سيئات ولم يكن صحابيا ولم يكن كافرًا.

والمؤمن الحق يعرف جيدا أن الله تعالى غير سائله عما حصل بين علي ومعاوية أو بين يزيد والحسين أو الذين جاءوا من بعدهم إنما العبد يسئل عما قدم لنفسه.

وأخيرًا فالعبد المتقي الخفي لا ينشغل بذنوب العباد وينسى نفسه كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَاةَ في عَيْنِ أَخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْلَ، أَوِ الْجِذْعَ في عَيْنِهِ" (٢). قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْجِذْلُ: الْخَشَبَةُ الْعَالِيَةُ الْكَبِيرَةُ (٣).

وأما الذين سوغوا محبته أو أحبوه، كالغزالي، والدستي فلهم مأخذان:

أحدهما: أنه مسلم ولي أمر الأمة على عهد الصحابة وتابعه بقاياهم، وكانت فيه خصال محمودة وكان متأولا فيما ينكر عليه من أمر الحرة وغيره، فيقولون: هو مجتهد مخطئ، ويقولون: إن أهل الحرة هم نقضوا بيعته أولا وأنكر ذلك عليهم ابن عمر وغيره، وأما قتل الحسين فلم يأمر به ولم يرض به، بل ظهر منه


(١) العواصم من القواصم (ص ٢٤٦).
(٢) أخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان) رقم ٥٧٦١)، والبخاري في الأدب المفرد برقم (٥٩٢).
(٣) انظر: السلسلة الصحيحة (١/ ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>