للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُ عمرو بن العاص لمعاويةَ رحمة الله عليهما:

أمرتُكَ أمراً حازماً فعصيتني ... وكان من التوفيق قتلُ ابنِ هاشم (١)

وقول الحُبَاب بن المنذر ليزيدَ بنِ المهلب:

أمرتُكَ أمراً حَازِماً فعصيتَني ... فأصبحتَ مَسْلوبَ الامارِة نادما (٢)

والمعصيةُ لا تُقَابَلُ، ولاتصحُ إلا في الأمرِ الذي هو النطقُ، وليس يجوزُ أن يكونَ هذا التوسعُ والمجازُ، ويكونُ الحقيقة قولهم: (إنَّ الكلامَ من الفؤاد) هو الحقيقةُ، كما أن جميعَ الصنائع لاتجذب إلى محالِّها من الأجسامِ صوراً وأبنيةً ونجارةً، إلا بعد أن تُشَكَّل في النفسِ صورُها ومقاديرها، وكم تضاف الأفعالُ إلى آلات ومَحَال، والحقيقةُ في ذلك لغيرِها، فمن ذلك إضافتُهم القتلَ إلى القلمِ، كإضافتِه إلى السيفِ، وقولُهم: قَتَلَ فلانٌ فلاناً بقلمِه، والمرادُ به: تسببَ بالقلمِ والسعيِ عليه، والحقيقةُ للسيفِ، ويُقال للساعي: قتلَه بلسانهِ، وجارحةُ القتلِ يدُ المباشرِ دونَ لسانِ الساعي، فليس قولُهم: إن


(١) انظر "الكامل" للمبرد: ١/ ٣٤٥.
وابن هاشم هذا، كان قد خرجَ على معاويةَ رضي الله عنه، فأمسكه، فأشار عليه عمرو بن العاص رضي الله عنه بقتله، ولكن معاوية أطلقه، فخرجَ عليه مرة أخرى، ولم يفلح معه العفو، فقال عمرو هذا البيت.
(٢) هذا البيت لحصين بن المنذر، لا للحباب بن المنذر كما ورد في الأصل، وبعده:
فما أنا بالباكي عليك صبابة ... وما أنا بالداعي لترجعَ سالما
وقد قاله حصين ليزيدِ بن المهلَّب بعد عزله من الولاية.
انظر "وفيات الأعيان" ٦/ ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>