للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعلى للأدنى أمرٌ، وهذا مسموعُنا من أئمةِ الأصولِ واللغةِ وأهلِ العربية المُعْتَدِّ بأقوالِهم، ومفهومنا مِن الكتب المُعَوَّلِ عليها، فلا نُصْغي إلى قولِ من يقولُ: إنَّ الصيغةَ مشتركةٌ. فهذا افتئاتٌ على اللغةِ وخطأ.

ولقد بالغ بعضُ مشايخنا، فقال: مَنْ زَعَمَ أن قولَ القائِل: افعلْ، صيغةٌ متردِّدةٌ بيْن الأمرِ، والتَّهديدِ، والإيجابِ، والندب، والرغبةِ، والسؤالِ، بمثابةِ مَنْ قال: إن قولَ القائل: يا عفيفُ بنَ العفيفةِ، يا كريمُ بن الكريمِ، موضوعٌ للشتمِ والمدحِ، من حيثُ أنَّ نفسَ الصيغةِ تَرِدُ في التعريضِ للشتمِ.

فهذا فصل يكفي مؤنةً كثيرةً مِن توهماتِ المتفقهةِ، وُيزيلُ شُبُهَاتٍ قد تَخَمرَتْ عندهم.

وهذا الذي ذكرهُ هذا الشيخُ دافعٌ للشُّبهةِ، لأن غايةَ ما يُوهمهم أن الصيغةَ مشتركة، إن الحروفَ واحدةٌ، وبنيةُ افعلْ بنيةٌ واحدةٌ، وإذا سُمِعَتْ مِن وراءِ حجاب لم يُعقلْ ما المُرادُ بها، وهل القائلُ لها مهدِد أو آمرٌ أو نادبٌ أوسائل؟

فيُقالُ: إذا رَجَعْتَ إلى أصلِ الوَضْعِ في قولِ القائل: افعلْ، فإنكَ تَعْقِلُ المرادَ به مِن لفظهِ، وأنَّه مُستدعٍ للفعل مثلُ سماعِك قولَ القائلِ: يا عفيفُ ويا كريمُ، فإنهُ موضوعٌ للمدحِ، واستعمالُ مثلِ الصيغة في محلٍّ آخرَ، لا يُقالُ إنَها تلك اخرِجَتْ إلى ضِدَّها، بل تلك موضوعة في حالِ الخصومةِ للذم، وفي حالِ الواعدِ للتهديدِ والزجرِ، فأمَّا أنْ تكونَ اللفظةُ الواحدة أمراً وزجراً، فمعاذَ الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>