للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويخرجُ بدنوِ رُتْبَتهِ عن كونه آمراً.

واعتد القائلُ الأولُ من أصحابِ الأشعري في أنه أمرٌ، بقولِه تعالى إخباراً عن فرعونَ أنه قالَ لخاصتهِ: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (٣٥)} [الشعراء: ٣٥] وبقول الشاعر:

أمرتُكَ أمراً جازماً فعصيتني.

وعمرو ليس بأعلى من معاوية الذي قال له: أمرتك، وبقول الشاعر:

أمرتك أمراً جازماً فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما

فسمَّي نفسَه: اَمراً، وليس يخلو مِن أنْ يكون دُوناً أو مُمَاثِلاً.

واعتلَّ القائلُ الثاني، بأنَّ الكل أجمعوا على [عدم وجودها] في نفس الآمرِ المخلوقِ، لأن إرادتَه مُحْدثة فيه، وفي حق الخالق سبحانه لا بُد من تقدم إرادةِ مُحْدثةٍ غيرِ محلٍ.

والتحقيقُ مِن مذهبِ أصحابِنا: أنَّ الصيغةَ بمجرَّدِها إذا صَدَرَتْ عن الرَبِّ سبحانه -من لَدُنْهُ سبحانَه- أو بواسطةٍ، فهي أمرٌ، وإذا صَدَرَتْ عن المُحدثِ فكان على صفةِ التحصيلِ للنُّطقِ، ومن أهل التَعويلِ على كلامِه، فهي أمرٌ ولا تُعتبر سوى ذلك.

فهذهِ تصفيةُ المذاهبِ عن أكدارِ الحكاياتِ وتطويلِ العباراتِ وإغماضِها، مِمَّنْ قصَدَ تضليلَ المبتدىء، أو تعظيمَ هذا الشَّأنِ في نفسِه، أو عَزُبتْ عنه العبارات السَّهلةُ المأخذِ الواضحةُ المتلقى، والله الموفقُ لصوابِ القولِ وإصابةِ الحقِّ بالمُعْتقدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>