للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ولأنَّه لو بَلَغَ اعتبارُ الرُّتبةِ في الحدِّ، فقالوا: استدعاءُ الأعلى، وذكروا المُستدعى منه بالأدنى، ومتى كان القولُ من المُماثل أمراً، سقَطَتْ الرتبةُ، وصار ذِكْرُ الرتبة في الحد حشواً، والحدُّ لا يحتملُ الحشوَ.

وإذا بطَلَ هذا لم يَبْقَ إلا أنْ يُقْتَصَرَ في حقِّ المماثل على الاسم الأعمِّ، فيُقالُ: اقتضى وطَلَبَ.

قال قائل: وإذا تأملتَ القرآنَ وجَدْتَ تَنَكبَ الأمرِ في كلِّ محلٍّ تَدَنَّتْ فيه الرُّتبةُ، مثلُ قولِه عن بلقيسَ: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢)} [النمل: ٣٢]، وتنكَّبَ تأمرون، وتَنَكَّبَ مُروني، فقالت: "أفتوني"، و"تشهدون"، لما كانتْ هي الملكةَ، وقالوا: {والأَمْرُ إِليْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تأْمُرِيْنَ} [النمل: ٣٣].

وقال: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا} [يوسف: ٤٦] وقال في حق الشَّيطان: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ...} [إبراهيم: ٢٢] إلى قوله: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: ٢٢]، قيل له: فقد قال سبحانه عن إبليس، {وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: ١١٩]، وسؤى بَيْنَ الأنبياءِ والأمَمِ في لفظةِ الأمرِ، فقال: أتامرُونَي أنْ كفرَ بالله وأشركَ به ما ليس لي به علمٌ (١).

قال: قد يَرد ذلك مجازاً، وإلا فالحقيقةُ ما ذكرْنَا، لأنَّه لا خِلافَ


(١) هذا ما ورد في الأصل، وليس في القرآن الكريم آيةٌ بهذا اللفظ، وإنما هي {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [غافر: ٤٢]، ولعل المصَّنف قصد قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (٦٤)} [الزمر: ٦٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>