للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للفعلِ اقتضاءٌ له، ومطالبة به. واستدعاء على جهة الإيجابِ أو الندبِ، وأنها نهيٌ عن تركِ المباح، وأن فعلَ المباحِ خير من تركِه الجاري مجراه، وهذا باطلٌ.

فصل

والدلالةُ على فسادِه: عِلمُ كلُّ عاقل من نفسهِ الفرقَ بين كونهِ آذِناً ومطلقاً لعبده ومن تلزمُه طاعته في الفعل، كوَلَدِه وخادِمه، وبين كونهِ آمراً لذلك الذي تلزمهُ طاعتهُ، ومقتضياً له، وطالباً له، ومستدعياً منه، واذا كانَ ذلك الفرقُ موجوداً للنفس، ومعروفاً لها، بَطلَ دعوى من قال: إن الإباحةَ أمرٌ، لأنَّ الحقيقةَ الواحدةَ لا تنفصلُ ولا تنقسِمُ في النفس، كما لا تنقسمُ حقيقةُ الخبر.

ومما يَدل على ذلك: أن حقيقةَ الإباحةِ تعليقُ المباحِ بمشيئةِ المأذونِ له في الفعل، وبمعنى القولِ له: افعله إنْ شئتَ. ومِنْ حقِّ الأمرِ بالفعلِ، أنْ يكونَ اقتضاءً له ومطالبةً به، واستدعاءً لحصوله، ونهياً عن تركِه على وجهِ ما هو آمر به، على ما نُبينه من بعد، فافترقَ لهذا حالُ الإباحةِ والأمرِ.

فإِن قيل: وجودُ الفصلِ والفرق في النفس، بينَ الإِباحةِ والاقتضاءِ المطلقِ، لا يمنع من كون الإِباحة ضرباً من ضروبِ الأمرِ، بدليلِ الندب والإِيجاب، فإِنَّ بينهما فصلَاَ وفَرْقاً في النفسَ، ومع هذا فإِنّهما جميعاً أمرٌ، لكنْ بينهما مرتبة، [فَكَما] تدنو مرتبة الندبِ عن الِإيجاب، كذلك هاهنا تدنو مرتبةُ الِإباحةِ عن الندب، فلأجلِ الرتبةِ وُجد الفصلُ في النفسِ، لا لأجلِ أنَّ الِإباحةَ غيرُ الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>