للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

يجمعُ دلائِلَنا من حيث الاستعمالُ من أهلِ اللغةِ

إنّ القوم فَرقوا بين السؤالِ والأمرِ، فقالواِ في الأدنى اذا خاطبَ الأعلى بلفظةِ افعل: سائلٌ، وسمَّوْ اللفظةَ سؤالاً: وقالوا في الأعلى اذا قال للأدنى: افعل: آمر، وسمّوا الصيغةَ مرحلً، وهذا يَدُل منهم على أنَّ الصيغة مع الرتبةِ اذ لم تك موجبَةً لمَا كان لفرقِهم بين السؤال والأمِر معنىً، لأنهما اتفقا في المعنىَ الأعمَّ وهو الاستدعاءُ، لم يبق لفرقِهم معنى سوى انحتامِ الأمرِ وعدمِ انحتامِ السؤالِ.

ومما يَدُلُّ على أنَّها صيغة تقتضي الإيجابَ، ما نجده من قوةِ اللفظةِ، ثم من مُتَعَلَّقَاتِها، فأمَّا من قوتها وجَوْهرِها، فهو أنها استدعاءٌ مجرد عن تخييرِ المستدعى منه، والتوسعةِ له في تركِ ما أمر به، مثل قوله: إن شئتَ، وإن أحْبَبَتَ، فكان ذلك جزماً وحتماً, من حيث أنَّ المُستدعي أطلقها إطلاقاً، كما أطلق قولَه -في الخَبَرِ-: فَعلَ، لما لم يكُ منه تردد من حيث اللفظُ -بأن يقول: لَعله فعلَهُ، عساه فَعَلَ- كان خبراً جزماً لا تردُّدَ فيه من طريقِ اللفظِ، وكلُّ من حطَّ هذه اللفظةَ عن رتبةِ الإيجابِ والحتمِ، احتاجَ إلى قرينةٍ أو دَلالةٍ.

وأما اقتضاءُ الوجوب من حيث التعلُّقُ، فإن المخالفةَ لها تسمى عصياناً، ويسمّى المخالِفُ عاصياً، فمن قيل له: قُمْ فَلَمْ يَقُمْ، كمن قيل له: لا تقم فقامَ في تسميةِ العرب إياهُ عاصياً، ومن ذلك استحسان حكماءِ العرب توبيخَه وذمَّه وتأديبه على تركِ الائتمارِ، وهو عندهم بمثابةِ من ناداهُ سيدُه فلم يُجبْهُ، فإنه يكون مُهَوِّناً ويستحق العقابَ على

<<  <  ج: ص:  >  >>