للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاختلافِ المعاني، ومهما أمكن أن يكونَ لكُلِّ لفظٍ معنىً، فلا يجوز أن يُشرك بين لفظين، سيّما مختلفين في معنى واحدٍ، فلما قالوا: سأله ورغِب إليه. إذا كان اللافظُ بالاستدعاءِ أدنى، وقالوا: أمرَهُ. إذا كان المستدعي أعلى، وجَبَ أنْ يكونَ الفرقُ بمعنىً يعودُ إلى الغرضِ به، وليس إلا الاستجابة، ومتى استويا فيها من حيث التوسعةُ والتخييرُ، زالَ الموضوعُ بالفرقِ على مقتضى الأصل.

وإنما قيل في الندبِ للأدنى: أطاعَ، وفي الأعلى: أجابَ. لدلالةٍ قامَتْ، وما خلا ذلك الفرق من معنى، وهو أن الرتبةَ تقتضي شيئين: اتحادُ الفعل المستدعى، ومراعاةُ الأعلى أن لا يدخلَ عليه وهْنُ المخالفةِ بأن يُعصى، بخلاف السؤال.

وأما قولهم: مقتضى التجردِ عن القرائنِ نفيُ الأوصافِ، فلا ينبغي أن يعتبر (١) إيجاباً، ولا انحتاماً، لأن نفيَ القَرينةِ أدْعى لنفيِ صفةِ الإيجاب. لا يصح؛ لأن الاستدعاءَ بقوله: (افْعَلْ) يقتضي بجوهرِ اللفظةِ إيَجادَ المأمورِ به، ولا يحصلُ الإِيجادُ إلا بالإيجاب، فأمَّا الوقفُ لا يُحصل شيئاً، والندبُ يوجب تخييراً بين الترك والفعل، وجميعاً يُعِيْقَانِ عن الإيجادِ الذي اقْتَضَتْهُ الصيغةُ.

وأمّا قولهم: لا يُسمى عاصياً، إلا إذا خالف أمراً مُوجِباً، دلت عليه دلالة الوجوب. فينقضهُ سؤالُهم الثاني، وقولهم: إنه قد يقع على مخالفةِ الرأي والمَشورةِ وإنْ لم يَقْتَضيا الوجوبَ.

على أن أهل اللغة قالوا: أمَرَ فعُصِيَ، وأمَرَ فأطِيْع، كما قالوا:


(١) في الأصل: "يعتبروا".

<<  <  ج: ص:  >  >>