للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ولأن صيغةَ النهي إذا وردَتْ بعد الأمرِ حُمِلت على مقتضاها من الحظْرِ، وإن كان أقلُ احتمالاتِها إسقاطَ الكُلْفَةِ، فإنَّ السيدَ إذا قال لعبدِه: سافرْ إلى بلدِ كذا، ثم قال له: لا تُسافر، احتملَ: فقد أسقطتُ عنكَ كُلفةَ السفرِ، لا أنِّي حظرتُ عليك السفرَ، ثم حُمِل بعد تقدُم الأمرِ على النهي والحظر دون التخفيفِ وإسقاطِ الأمرِ، فَبَطَلَ ما عولتُمَ عليه من تقدُّمِ الحظرِ، وادعيتموه قَرينةً مغيِّرةً لموضوعِ الأمرِ ومقتضاه.

قالوا: ولأن القرينةَ ما وَافَقَتْ. دونَ ما ضادتْ وخالفتْ، وبينَ الحظرِ والاستدعاءِ تضاد، فكيفَ يُدَّعى أنَ أحدَهما قَرينةٌ للآخرِ؟!

قالوا: وتعويلكم على الأوامر الواردِة في القرآنِ بعد الحظرِ وأنها على الإِباحةِ ليس بمسلّم (١)، فإنَ قوله سبحانه: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] [يقتضي الوجوب]، (٢) وكان هذا أمراً بعد حظرٍ ونهيٍ عن القتلِ في الحَرَمِ.

على أنّا في هذه المواضعَ صِرْنا إلى الإباحةِ بدلائلَ دلتْ على الِإباحةِ لا بمجرّد تقدم الحظرِ. ولو كانت على ذلك من غير دلالةٍ لما مَنَعَنَا ذلك من حملِهَا على الِإيجابِ الذي هو مقتضاها في الأصلِ دون الِإباحةِ، بدليلِ أنَ أكثرَ عموماتِ الكتاب على التخصيصِ، ثُمَّ لا تُحْمَلُ بإطلاقِها على الأكثر، لكن على اَلأصلِ في الوضعِ، وهو العمومُ وإنْ قل.

وقالوا: ولأن الأصلَ في الاصطيادِ الإباحةُ، وكذلكَ البيع، وكذلكَ


(١) في الأصل: "بمسمى".
(٢) زيادة يقتضيها السياق، وهي في "العدة" ١/ ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>