للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد الحظرِ يقتضي الإباحةَ.

ومن ذلك ما ذكره بعض (١) الأئمةِ في النظر: لو كان تقدمُ الحظرِ يُحيلُ في صيغةِ الأمرِ إحالة تغيَره (٢) عن مقتضاه، لكان الأحق بأنْ يتغيرَ إليه التهديدُ؛ لأن التهديدَ إلى النهي أقربُ، وهذا عُرْفُ القومِ، وأنَهم إذا قدَّموا الحظر والزجر ثم عقَبوه بصيغةِ الأمرِ كان ذلك تهديداً، كقوله: اعملْ ما شئتَ بعد أن حَظَر عليه. وقولُ الباري سبحانَهُ لإبليس: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: ٦٤]، وقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠] فلما لم يكن تهديداً، فأولى أنْ لا يكونَ إباحةً.

ومن ذلكَ قولهم: إذا كان عند أصحاب الوجوب أو الندبِ، يفيد الِإيجابَ أو الندبَ، لكونه أمْراً، وكان تقدمُ الحظرِ لاَ يخرجه عن كونه أمراً، وجَبَ لذلك أنْ يكون محمولاً على فائدتِه في أصل الوضعِ، لأنَ تقدمَ الحظِر لم يُخرجه عمّا لأجله أفادَ ذلك، وهو كونهَ أمراً، كما أنَ تقدمَ خبرِ الأمرِ، أو استخبارهِ، أو بعضِ أقسام الكلامِ أو أقسام الأفعال، لما لم يُحْرج صيغةَ الأمرِ بتقدّمه عليه عن كونِه أمراً لم يكن قرينة تخرجُهُ عن الِإيجابِ أو الندب إلى الإباحةِ والِإطلاقِ.

ومن ذلك الأمرُ من أحدِ أقسام الكلام، فلا يخرجُ عن مقتضاه في الأصلِ بتقدم الحظرِ، كالخبرِ وَالاستخباَرِ والنداءِ والتعجّبِ، فإن


(١) في الأصل: "بعد" وقد ورد فى الهامش. أنه تصحيف عن (بعض).
(٢) فى الأصل: "ويغيره"

<<  <  ج: ص:  >  >>