للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وذهبَ كثير من الفقهاء إلى نَفيِ دخولِ فِعل المكرَه تحت التكليف، واعتلّوا بأنه واقع من فاعِله بغير إرادةٍ له ولا قصد إليه، فصار بمنزلةِ فعلِ النائمِ والمغلوبِ اللَّذين لا قَصد لهما، وهذا باطلٌ باتفاق الأصوليين؛ لأن مُطَلَق زَوجته وقاتلَ غيرِه عند إكراهه على ذلك، عامدٌ لما يَفعله، عالمٌ به، قاصدٌ إليه، مختار له على وقوع المكروه به من جهة مُكرِهِه، مُرجَح لأسهلِ الأمرينِ عنده على أصعبهما، وهو طلاق زوجته وقَتلُ غيره توقيةً لنفسه التي هي أعزُ عِنده من زَوجته ونفْسِ غيره.

والذي يدلُّ على قَصدِه ودخولِ فِعله تحتَ التكليف؛ مَنعُ الشرعِ له من قَتل البريء المكرَه على قَتله، وإلحاق الوعيد به على إيقاع القَتل به، وبهذا النهي والوعيد والتأثيم قد بان أن اللهَ سبحانه يصحّ أن يُكلفنَا تركَ كل ما نُكره على فعلِه، حسبما كلًفنا تَرْكَ قَتلِ البريء، وإنما رَخَّص لنا قولَ كلمة الكُفر تَسهيلاً منه علينا ورفقاً بنا (١)، وليسَ دخولُ الرِّفق رُخصةً وسُهولةً مما يمنعُ دخولَ التكليف، كما رَخص لنا في المَرَضِ الإِفطارَ، ولم يمنع ذلك تَكليفَه لنا الانزجار عن التداوي بما حَرم علينا، وأمْرَه إيانا بالصلاةِ بحَسْبِ الطاقة.

فإن قيل: فكيفَ يجتمع الإِكراهُ والقصدُ وهما ضِدان أو كالضدين، ولذلك لا يَحسن أن تَقول: ما أردتُ كلمةَ الكفر لكن


(١) وذلك قوله سبحانه وتعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}. سورة النحل، [الآية: ١٠٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>