للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المُراداتِ مِن الافعال، فتقع أفعالُها بحسْبِ الِإلجاء إلى احدِ الدواعي.

فأما الِإكراه على ما غابَ وبَطَن من القلوب، فلا، فعلى هذا لا يَصحُّ أن يُكره الإِنسانُ على اعتِقادِ مذهبٍ، أو علمٍ بمعلومٍ لم يَعلمْه، أو بظنٍ مما لم يتحصل له طريقهُ، أوَ عزمٍ على ما لا يعرف، أو الجهل، قال سبحانه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} [النحل: ١٠٦]، يعني: من اعتقد الكفر، وإنما لم يُعف عن أعمالِ القلوب ها هنا، لأن الإِكراه لم يتسلَّط عليها، ويَلحق بهذا أنَّ العلمَ والجهلَ والظنَ وغيرَ ذلك من أعمالِ القلوب كالمحبة والبُغضِ والألفةِ والإِعجاب والخَوْفِ والحَزَنِ والمسَرَّة والغَم لاَ يَتحصلُ بالاستمالةِ كما لم يتحصَلْ بالإِكراهِ، فالإِنسانُ لا يجهلُ ما عَلِمه، ولا يَعلم ما يجهلهُ بالرِّشوة والاستمالة، لكن يَتَبع في القَول، وُيقلد بالنًّطقِ من يَستميله، والقلب بحاله لا يُغيره إلّا المَعاني التي يَصلُ عملُها إليه، كالأدلةِ والبراهينِ أو الشَّبَه وما شاكل ذلك.

فصل

وعندي أن كُلَّ فعلٍ من أفعالِ القُلوب صَحَّ دخولُه تحت التكليف، صح الإِكراهُ عَليه، كالعلوم الاستدلالية يَصح التكليفُ لتَحصُّلها بطريقها، وهو النظر والعزم (١) واَلنَّدم، هذا كلّه داخلٌ (٢) تحت التكليف، فيصحُ الِإكراهُ على تَحصيلِهِ بطريقِه.


(١) في الأصل: "العزوم".
(٢) في الأصل: "دخل".

<<  <  ج: ص:  >  >>