للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " فأتوا منه ما استطعتم"، فهذا مبنى على أنَه قد أمر في الزمانِ الثاني، وما ثبتَ أنَّه أمرٌ إلا في الوقتِ الأول، ولهذا قال: "فأتوا منه"، فاقتضى أن يكونَ المستطاعُ بعضَ الأمر.

وأمَّا قولهم: إنَ أوامر الشرعِ كلَّها مقضيّة بعد فواتها. ليس بصحيحٍ، لأنها منقسمةٌ كالجمعةِ والجهادِ وفروضٍ كثيرةٍ من فروضِ الكفاياتِ لا تُقضى، والصلاةُ والصومُ تقضى، فليس حملُ الأمرِ على ما يقضى بأولى من حمله على ما لايقضى.

ولأنَّ ما وجبَ قضاؤه منها إنما وجبَ بأدلّةٍ أوجبت القضاءَ، ولم نوجبه بنفسِ الأمر الأول، فلا تعلُّق لهم بذلك، مع كونه مقيّداً بوجوب القضاء، وكلامنا في مطلقِ الأمرِ الذي لم يتعقبه إيجابُ القضاء.

وأمّا قولُهم: إنّ الفعلَ هو المأمورُ به، والوقْت ظرف. فالجوابُ عنه أنَّ الفعلَ المأمورَ به في الوقتِ المخصوصِ به، لا أنّ الأمر بفعل مطلق، ألا ترى أن لفظه لا يتناولُ ما بعد الوقت ولا ما قبله ممن ادعى الوجوب في الوقت.

وأما قولُهم: يسمّى قضاءً، فلأنَّه أقيمَ مقامَ المتروك، وليس معنا في اللغة ولا الشرع أنَّ القضاء لا يقعُ إلا بالأمر الذي أُمر به الأداء، ألا تسمع إلى قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: ١٠]، {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: ٢٠٠]، والمراد بها: إن أقمتموها.

<<  <  ج: ص:  >  >>