للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيلَ: ليسَ فروضُ الكفاياتِ من مسألتنا بشيءٍ، لأنَّه يحسُن أن يقال: يا أهلَ القريةِ؛ صلّوا على موتاكم، ومُروا بالمعروفِ، وانهَوا عن المنكرِ. ولا يقالُ هاهنا: لتخرجْ في الكفارةِ العتقَ والاطعامَ والكسوةَ، إذا تركَ أهلُ القرية ذلكَ أثموا كلُهم، وهنا الإِجماعُ منعقد على أنه لا يأثمُ إلا بواحدٍ.

فإن قيل: كلامُكم يعطي أنكم لا تعقلونَ الوجوبَ مع التخييرِ، وليسَ الأمرُ كذلك، فإنكم قد قلتم: إن الصلاةَ تجبُ بأولِ الوقتِ وجوياً موسّعاً، فلما قيل لكم: ما معنى الوجوب، فالمكلفُ مخير بينَ فعلِ الصلاةِ في الوقتِ الأوّلِ، وبين تركهَا لا إلى بدل؟ قلتم: الوجوبُ الموسعُ معقول، وهو قضاءُ رمضانَ، يتّسعُ وقتُ قضائهِ من رمضانَ إلى مثلِه، فيكونُ ما بين رمضانين وقتاً لفعلِ القضاءِ، وكذلك الدينُ المؤجلُ واجبٌ، وهو مخير بين تعجيلهِ فيقعُ عن الواجب، ويين تأخيره، ولم يخرجه التأخير بين زمانٍ وزمانٍ، عن كونهِ واجباً فيَ الزمان الأول، كذلك لا يخرجُ تخيير هذا المكلفِ بين عينٍ وعينٍ، وفعلٍ وفعلٍ، عن كون الأعيَانِ والأفعالِ واجبةً، وليس التخيير هاهنا بأكثرَ من توسعة ورخصة (١) بين أعيان، كما أنها توسعة ورخصةٌ في الصلاةِ، وقضاءِ صوم رمضان، والديونِ المؤجّلة بين أزمان، وهو مثلُ مسألتنا سواء، فإنه إذا أخل بالفعلِ في جميعِ الأوقات التي خُير فيها، لم يأثم إلا بالتركِ في وقتٍ يتّسع لفعلها، ولا يكونُ آثماً إثمَ من أخلَّ بفعلٍ واجبٍ يملأ تلكَ الأوقاتِ كلَّها.


(١) مكررة في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>