للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبهِ الكفرِ من خطابهِ بالعباداتِ على قول أصحاب الشافعي ومن وافقهم، والمرتدُّ حالَ ردتهِ غيرُ معتقدٍ ولا ملتزم لِإيمانٍ ولا عبادةٍ أوجبها الشرعُ، ومع ذلكَ ألزمه الشرعُ ذلك.

وأمَّا تقديم النبي - صلى الله عليه وسلم - خطابَ الكفارِ بالإيمان، فإنما كان كذلك ليكونَ تقديمُ معارفِهم بالله مستعملًا وموطئاً لهم على العباداتِ، لأنَّ طاعةَ من لا يعرف لا تتأتى، فما أخرَ الخطاب لأن العباداتِ لم تجب، لكن لم يُكثر عليهم، حتى إِذا عرفوا سَهُلَ عليهم وخف بعرفانِه، تعالت عظمتُه، ومعرفة صحةِ الرسالةِ أثقالُ العبادات، ولأنه عليه السلام لم يذكر المنهيات على قولِ من وافق في خطابهم بها لما ذكرنا، وإن كانت قد دخلت في خطابِهم بالإيمان، والله أعلم.

فصلٌ

إذا أمرَ الله تعالى بعبادةٍ، كان أمرُه بها نطقاً، نهياً عن ضدها من طريق المعنى، وسواءٌ كان لها ضدٌّ واحد أو أضداد (١).

وتفصيل هذا الكلام: أن كل مأمورٍ به من جهةِ آمر، يقتضي النهيَ عن تركِ ذلك المأمورِ به، وكل فعل يضاد المأمور به لا يصح أن يجمع معه كما لا يجمعُ التركُ، فكانَ حكمُ المضادِ للعبادةِ المأمورِ بها حكمَ الترك، فلا بد أن نقول: إِذا لم يكن الآمرُ قد خير بين فعلها وفعلِ ضدِّها، فأمَّا إِن وُجدَ التخيير بين المأمورِ وبين ضدِه صارَ بمثابةِ


(١) انظر هذا الفصل في "العدة"٢/ ٣٦٨، و"التمهيد"١/ ٣٢٩، و" المسوّدة" ص (٤٩) و"شرح مختصر الروضة" ٢/ ٣٨٠ و "شرح الكوكب المنير" ٣/ ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>