للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

والذي لحظتُه من هذه المسألةِ: أن القائلَ بتفاضلِ الوجوب، إنما سلكَ خلافاً في عبارة، وإلا فنفسُ ما أرادَ بقوله: أوجب. يقتضى موافقتنا في المعنى (١)، فإنهم وافقوا في أنَ الواجبَ استدعاءُ الأعلى مِن الأدنى على وجهِ الحتمِ والتضييقِ، ورسموه بأنه ما عوقب على تركِه، وهذا أمر لا يقبل التزايدَ والتفاضلَ، وإلا فما هو إلا بمثابةِ قولنا: سائغ وجائز ولازم، وفي الخبر صادق وكاذبٌ، وفي الصفات: عالم، فإن ذلك كُله لما انتظمه حد واحدٌ، فكان حقيقة واحدةً، لا يقال: أعلمُ، وأصدقُ، وأكذبُ، فكما لا يمكنُ أن تكون معرفةُ المعلوم على ما هو به، والخبرُ بالأمرِ على ما هو به أمراً يتزايدُ، كذلك الاستدعاءُ المضيقُ المحتومُ لا يقبل التزايدَ، وقد صرَّحوا بأنهم لا يريدون بقولهم: أوجبُ. إلا أنَ العِقابَ على تركه أشد، وهذا أمر يرجعُ إلى المقابلةِ، وذلك لا يُعطي تزايدَ الشيءِ في نفسه، بدليلِ أنَ بعضَ المخبرين إذا أخبرَ بقدومِ ولدٍ كان غائباً، واَخر أخبر بمولدِ ولدٍ كان حَمْلاً، وكان العطاءُ والمنحةُ على أحدهما أوفى بحسب بِشْرِ المُخبَرِ بذلك، لم يَجُز أن يقال: إن أحدَهما أخبرُ من الآخر ولا أصدقُ،


(١) بذلك ينتهي المصنف إلى أن من فرَّقَ بين الفَرضِ والواجبِ، ومن ساوى بينهما، متفقون انتهاء على أنَ الأوامرَ الملزمة ليست على درجةٍ واحدة من حيث الثواب، فالاختلاف بين الفريقين مجردُ اختلاف في التسمية، ولا مُشاحَّة في الاصطلاح.
إلأ أنَه يؤخذ على ابن عقيل في ذلك: أنَ أثر الاختلاف بين الفرضِ والواجبِ ليس مقصوراً على زيادةِ ثوابِ الفرضِ على ثوابِ الواجبِ، بل هناك آثار أُخرى ذكرها الحنفية، منها: أنَ المكلف إذا ترك فرضاً كالركوع والسجود في الصلاة بطلت صلاته، ولا يسقط في عمد ولا سهو, ولا تبرأ الذمة إلا بالإعادة. أما إذا تركَ واجبٌ فإنَ عمله صحيح، ولكنه ناقص يحتاج إلى تَتْميم، كاشتراط الطهار في الطوافِ، فإئه واجبٌ لا فرض، فإذا لم تتحقق الطهارةُ أثناءَ الطوافِ، فلا يكون الطوافُ فاسداً، وإنما هو ناقصٌ، وتكملته إما بإعادتِه طاهراً، إذا كان بمكة، أو يَجبر النقصان بالدَّمِ، إذا رَجع إلى أهله.
انظر"أُصول السرخسي" ١/ ١١١ - ١١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>