للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفعِ غيرِه منّا بغيرِ تقديمِ مضرةٍ لا تَعودُ إليه بنَفعٍ، ولا دفع ضررٍ، فلم يفعل به ذلك النفعَ إلا بتقديم ضررٍ وتكليفِ مَشاق، فَقد بَخَسَ ذلك الحَيَّ حقَّه، كمن قدرَ على إسقاءِ العطشانِ جُرعةً أو شربةً من الماء، أو المُضْحي (١) بإظلاله بظلِّ جداره، أو المتخبِّط في ظلمةِ الليل بضَوءِ نارِه، فلم يفعل من ذلك كله شيئاً، بل منعه منه مع الغَناءِ والقدرةِ والعلم بصدق الحاجة، فإنه يكون على الغايةِ من استحقاق الذمّ.

والجنَّة عنده سبحانه كتلك الشربة، وذلك الظِلّ، وذلك الضياء، وقد مَنعناها (٢)، مع القُدرةِ وأحال بيننا وبَينها بمحنِ الدُّنيا وبَلاوي التَّكليف، وأخطارٍ حجبت أكثرنا عنها.

وفيما قدّمنا من أنَّ اللهَ سُبحانه قد أمرَ أوامرَ كثيرةً على غير وجهِ الأصلح للمأمور كفايةٌ، والله أعلم.

فصل

إذا قال الصحابي: أمَرَ رسولُ الله بكذا، أو نهى رسولُ الله عن كذا. كان حُكمُ هذا القول منه حُكمَ أمرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم وقولي: افعلوا كذا، ولا تفعلوا كذا.

وحكى القاضي أبو الحسنِ الخَرَزي (٣) أن مذهب داودَ أنه لا يَثبت بذلك حكم أمرِه ونهيه الواجبين، حتى تُنقل إلينا ألفاظُه.


(١) هو من يصيبه حرُّ الشمس، ومنه قوله تعالى: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} أي لا يُؤذيك حرُّ الشمس. "اللسان": (ضحا).
(٢) في الأصل: "منعناه"، والمثبت أنسب للسياق.
(٣) هو أبوالحسن عبد العزيز بن أحمد الخَرزي -نسبة إلى بيع الخرز- إمام أهل الظاهر في عصره، قدم من شيراز في صحبة الملك عضد الدولة. قال أبو عبد الله الصيمري فيه: ما رأيتُ فقيهاً أَنْظَر منه ومن أبي حامد الإسفراييني. "الأنساب للسمعاني" ٥/ ٨٧ - ٨٨، و "شذرات الذهب" ٣/ ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>