للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا قولهم: إنَ السنةَ لفظٌ يشترك. غير صحيح؛ لأنها في الأصل اسم لما وُضع ليُحتَذى ويُتبع، والاتباعُ في الأصل إنما هو للشارعِ دون أصحابه وأتباعه. وأما ما ورد به الحديث: "عليكم بسُنَتي وسُنةِ الخلفاء"، فتلك سُنة مقيّدة، وكلامُنا في السُنّةِ المطلقةِ، وحكمُ المطلقِ الذي نحنُ فيه يخالفُ حُكم المقيّد، بدليلِ سائرِ الألفاظِ من الأوامر والنواهي.

وأمّا قول علي عليه السلام: وكُل سُنّة. أرادَ به سنةَ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الزيادةَ على الأربعين تعزير (١)، لأمرِ لمحه عمر أوجبَ التعزير وعلي قال: إنه إذا سَكِرَ هَذى، وإذا هَذَى افترى، فحُدوه حَدَ المفتري (٢). وحد المفتري سُنّةُ النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأمَّا قولهم: إنما أضافه إلى رسولِ اللهِ لأنه مستنبطٌ من لفظِه، فالظاهرُ أنَ السنة ما تُلقِّفَ من لفظِ رسول الله دونَ ما استُنبط، ولهذا قال لمعاذ: "بِمَ تَحكُم"؟ قال: بكتابِ الله، قال: "فإنْ لَم تَجِد"؟ قال: بسُنةِ رسولِ الله، قال: "فإنْ لَم تجِدْ"؟ قال: أجتهدُ رأيي (٣). والنَّبي أقرَّه على أنّه إذا لم يَجدْ في سُنتِه اجتهدَ، ولو كان استنباطُه (٤) سنةً، لما كانَ قولُه: "فإن لم تجد" يكون جوابه ما هو سُنّة، لم يبقَ إلا أنَ السنّة ما كان ملفوظاً به من الأحكامِ، والمستنبطُ له اسم يخصُّه.

فصل

ويصح أن يقارِنَ الأمرُ الفعلَ حالَ وجودِه ووقوعه من المكلَّف، وليس من شرطِ صحة الأمر تقدُّمه على الفعل، وإذا تقدّم على الفعل، كان أمراً عندنا على الحقيقة


(١) في الأصل: "تعزيراً"، والمثبت هو الصواب.
(٢) رواه الدارقطني ٣/ ١٦٦، والحاكم ٤/ ٣٧٥، والبيهقي ٨/ ٣٢٠.
(٣) تقدم تخريجه في الصفحة: (٥) من الجزء الثاني.
(٤) تحرفت في الأصل إلى: "إسقاطه".

<<  <  ج: ص:  >  >>