للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في شُبَههم

فمنها: أن حَرْف (أو) إذا وردَ في النَّهي لم يقْتضِ التخيير بل الجمعَ، بدليل قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤]، وجبَ [عَدمُ] (١) طاعةِ الآثمِ والكفورِ معاً، ولم يكن معناه: لا تُطع آثماَ وَحده إن شئت، أو كفوراً وحده إن شئت.

ومنها: أن قالوا: ما كان مَنهياً عنه مع غيره، كان منهياً عنه مع إفراده، كسائرِ المحظورات.

ومنها: أنه لا ينهى عن شَيئين على سبيلِ التخيير إلا وهما في معلومهِ متساويان في القُبح، ولا يجوز بالحكيم أن يُخير بين قَبيحين، كما لا يجوزُ أن يُخير بين حَسَنٍ وقبيح، ويَتَخرَّج من هذه الطريقة أنهما إذا تساويا في القُبح، وكان واجب الترك لقبحه، ساواه الآخرُ في وجوبِ التركِ لقُبحه، وكذلك إذا كانَ تركُ أحدهما مصلحةً، وفعلُه مفسدة، وجب أن يكونَ الآخرُ مثله في كونِ تركه مصلحةَ وفعلهِ مفسدةَ، وفارقَ المخيرين في الأمر لأنَ غايةَ ما يوجبُ التخيير تَساويهما في الحُسْنِ، وليس يجب فعلُ كلَّ حَسَن، وكذلك وجبَ فعلُ أحدهما دونَ أن يجب فعلهُما.

ومنها: أنَ الله سبحانه وضعَ الأوامر على ضربين؛ أحدُهما: إذا فعله البعض نابَ عن الكل، وهي فريضةُ الكفايات، ولم يَضع نهياَ عن شيءٍ يجعل بتركِ واحدٍ مع إصرارِ الباقين مُسْقِطاً (٢) لمأثمِ الارتكابِ لذلك النهي في حق الباقين، وما ذاكَ إلا لأنَ التساوي لا القبحِ يوجب هجرانَ الكُل، والتساوي في الحُسْن لا يوجب فعلَ الكُلّ.


(١) زيادة لا بد منها لاستقامة العبارة.
(٢) تحرفت في الأصل إلى: "مسلطاً".

<<  <  ج: ص:  >  >>