للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنه لا يُمنعُ الإفصاحُ بمثل هذا، وهو أن يقولَ الطبيبُ: لا تأكلْ سَمكاً أو لبناً، معناه: اترك لي في حميتك أكلَ أحدِهما، ولا أكلّفكَ تركَهما معاً، بل يكفيك هجرانُ أحدهما، بَلى لا أُسوغ لك جمعَهما. وكذلكَ في بابِ الصغائر مع الكبائر؛ الكُل قبيحٌ ومكروه، وبهجرانِ الكبائرِ تُمحقُ الصغائرُ بالتكفيرِ، ولو فَعَلَ الجميعَ لم يَنْحَبِطْ واحدٌ منهما، وكان مأثمُهما حاصلاً.

وفي باب الطبائعِ والطبِّ؛ يقولُ الطبيبُ: لا تأكل سَمَكاً ولبناً، فلا يُعطي ذلك تحريمَ كُلِّ واحدٍ على الانفراد، ويحرمه الطبيبُ مع الاجتماعِ لما يجدُ من المفسدة باجتماعهما.

وأمَّا دعواهم أنَ أهل اللغة يُريدون الجميع من الأمرين، فدعوى لا برهانَ عليها، وإن اعتمدوا ذلكَ في موضعٍ، فبدلالةٍ تدلُّ من حالٍ أو قرينةٍ.

فصل

إطلاق النهي يقتضي فساد المنهي عنه

وبهذا قال الجمهورُ من أصحابِ مالكٍ والشافعيِّ وأبي حَنيفة، منهم الكَرخيُّ (١)، وعيسى بن أبان (٢)، وجميعُ أهلِ الظاهر، وقوم من المتكلمين، كما أن الأمر به يدل على صحته وإجزائه، وذهب أبو بكر القفال (٣) -من أصحاب الشافعي- إلى أنه لا يقتضي الفساد، وهو مذهبُ المعتزلةِ وأكثرِ المتكلمين من الأشاعرةِ (٤) وغيرِهم، ثم


(١) يعني أبا الحسن الكرخي، تقدمت ترجمته في الصفحة (٨٧) من الجزء الثاني.
(٢) عيسى بن أبان بن صَدَقة، تقدمت ترجمته ٢/ ٢٩٥.
(٣) تقدمت ترجمته في الصفحة (٤٤) من الجزء الثاني.
(٤) انظر "البرهان" ١/ ٢٣٨، و"المستصفى" ٢/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>