للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكن قد أتى بما وجبَ عليه، كانت الصلاةُ في ذمته بقاءٌ على حكم الأصل.

ومنها: أن الأصلَ المستقرَّ فيما بين العلماءِ أجمع، أنَ النهي لا يقفُ على معنى يخصُّ العين، سواء كان في المعاملاتِ أو العباداتِ، بل وجدناهم حكموا بإبطالِ بيع الخنزيرِ والميتةِ والدمِ لمعنى في الذات (١)، وحكموا بإبطال بَيعْ الصّيْدِ في حق المحرِم وفي الحرمِ (٢)، والمنعُ يرجع إلى ذات المحرِمِ والبقعةِ لا إلى عين الصّيْد، وحكموا بإبطالِ الصّومِ والحجِّ بالردّةِ، وإن كان النهيُ عن الردّةِ لا يختصّ الصومَ والحجَّ، بل الردّةُ منهيٌ عنها قبل الإحرامِ، وقبل التلبّسِ بالصيامِ، وبعْدَ الخروجِ منهما، وصارت الردّةُ في إبطالهما بمثابةِ ما يخصّهما من المبطلاتِ، كالوطءِ في الحجِ، والأكلِ في الصومِ، وهذا يدُلُّ على أنَّ السُّترةَ النَّجسةَ التي لا يُنهى عنها إلا لأجلِ الصّلاةِ، والسترةَ المغصوبةَ التي ينهى عنها في الصلاةِ وخارجَ الصلاة، سواءفي المنع مِن الاعتدادِ بالصلاة.

ومنها: أنَّ أهلَ اللغةِ أجمعوا على أن القائلَ لعبْده: امضِ برسالتي إلى فلان، وقف في خدمتي وقتَ كذا، ولا تلبسْ من الثيابِ إلا ما كسوتُك به، ولا تركب إلا الدابّة التي خَصصتكَ بها حين مُضِيِّكَ في رسالتي إلى فلان. أنه أمره أمرأ على صفةٍ مشروطٍ بشرطٍ، وأنه لو مضى في الرسالةِ على غير الدابّة، وخدمَة في غير ما كساه به لم يكن ممتثلاً أمرَه، بل مخالفاً، وأنه بمثابةِ من وقف في خدمتِه عُرياناً، ومضى في رسالتِه ما شياً، فكذلكَ ها هنا -حيث قالَ له الشرعُ: صلِّ مستتراً، ولا تَستتر


(١) لحديث جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة:"إنَ الله ورسوله حرما بيع الخنازير وبيعَ الميتة وبيع الأصنام". أخرجه أحمد ٣/ ٣٢٦، والبخاري (٢٢٣٦) و (٤٦٣٣)، ومسلم (١٥٨١)، وأبوداود (٣٤٨٦)، وابن ماجه (٢١٦٧)، والترمذي (١٢٩٧)، والنسائي ٧/ ٣٠٩ - ٣١٠، وابن حبان (٤٩٣٧).
(٢) ذلك أنهم اعتبروا صيد المحرِم في حكم الميتة لا يجوز أكله. انظر "المغني" ٥/ ١٣٩، و"كشاف القناع" ٢/ ٥٠٢ - ٥١٤ و" البناية شرح الهداية" ٧/ ٧٢٣، و"القوانين الفقهية" ص (١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>