للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلِ اللغة، ولا أربابِ الاستنباطِ، فإذا قال قائل: لا تَقْذِ (١) عينَ بعير زيدٍ، ولا تمكن القَرْنَاءَ من غَنمك من نَطح الجماء (٢) من غنمه. عُلم مبادرةَ [من] (٣) هذا اللفظِ أنه قصدَ حسم مواد الأذايا بذكره أدناها، ألا ترى أنه لا يحسنُ بعد ذلك أن يقول: واقلع عَينيه، أو اضرب عنقَه، أو اذبح مواشيه، بل يكون في ذلك على غايةِ المناقضةِ في وصيّته.

ومنها: أنَّ هذا موضوعٌ عند أهلِ اللغةِ، كوضع الأسماءِ للمسمَّيات (٤) حتى إن الواحدَ منهم إذا أرادَ النهيَ أو رَفْعَ المنةِ رَفَعَ قَذاةَ (٥) من الأرضِ أو مَدرةً (٦)، فقال: لا تَظلم زيداً بمثلِ هذه، ولا تتلبس من مال فلانٍ بهذه. فيسبق إلى فهمِ كُل سامعٍ أنه أراد نهيَه عَمّا (٧) زاد عليها ورفع المنّة بما زاد عليها، فهذا وضعُ القومِ ولُغتهم.

فإن قيل: إنما نفهم ذلك فيما بيننا بالمعهودات من الأحوالِ والقرائِن، فأما في حقِّ الله سُبحانه، فلا عهدَ بيننا وبينه، بل قد يكون ناهياً عن الأقل قُبحاً إلى الأشدَ الأكثر مثل قوله: ولا تُعطِش ناقَتك ولا بقرتَك، ولا تَنْتِف ريشةَ دجاجتِك، ولاتخرم أذنَ بعيرك، واختِنْ وَلدَك، واذبَح ناقَتك تَقرُّباً إليّ، أغفِر لك بأوَّل قطرةِ تَقطر من دَمِها.

فما يُؤمِنَّا نحن أن نأخذَ النهي عن الأعلى بالنهي عن الأدنى بعد هذا؟ بل الجمودُ على حكمِ الأصلِ إلى أن تردَ دلالةٌ أولى وأحرى.


(١) القذى: ما يقع في العين فيؤذيها. "اللسان": (قذى).
(٢) الجماء: هي التي لا قرن لها.
(٣) ليست في الأصل.
(٤) تحرفت في الأصل إلى: "المسمات".
(٥) القَذاة: هي ما يقع في العين والماء والشراب، من تراب أو تبنٍ أو غير ذلك. "اللسان": (قذى).
(٦) المدَرَة: هي قطعة الطين. "اللسان": (مَدر).
(٧) في الأصل: "فما".

<<  <  ج: ص:  >  >>