للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصرّة الملتقطةِ من الدنانيرِ والدراهمِ وراءَ الوكاءِ والعِفاصِ، وأداءِ الثيابِ والرحالِ من الغنائم، ورد الأجذاعِ والأخشابِ المغصوبةِ، حتى لو قالَ الآمرُ بذلك بعد هذا: ولا تَحفَظ ما وراء الوِكاءِ والعفاصِ، ولاتُطفىء سراج بقالٍ وانْهَبْ ما في دُكّانه من الأمتعةِ والمالِ. عُدَ مُناقضاً في كلامه، واستُهجنَ ذلك منه، وما ذاك إلا لأنَّ المفهومَ من كلامه الفَحوى الذي أوضحناه، وإنما قصدَ بهذا أهلُ اللُّغة الاستقصاءَ، ألا ترى أنه إذا قال: ما أنفقتُ من مالِ فلانٍ ألفَ دينار لم يمنع ذلك أن يكونَ قد أنفقَ ما دونها، وإذا قال: ما أنفقتُ من ماله حبّةً. أعطانا ذلك وأفادنا أنه لم يُنفق ما فَوقها.

فصل

في الدلالةِ على من زعَم أنَ الحكمَ فيه مستفاد من طريق اللفظ: أنه ملفوظ بالنهي عن الأذِية الزائدةِ على التبرّمِ بالتأفيفِ.

فنقولُ: إنَ الملفوظَ به إنما هو النهي عن التأفيفِ، فهذا منصوصٌ، والمفهومُ من اللفظِ نفيُ الأذى الزائدِ على أذيةِ التأفيفِ، وهذا نوعُ استدلالٍ، والمنصوصُ الملفوظُ لا يحتاجُ إلى استدلالِ، ولولا ما سبقَ من علمِ القصْدِ من طريقِ العُرفِ نفيَ الأذايا لما عُقِلَ منه إلا النهيُ عن نَفسِ الحَرْفَين (١)، وهي الملفوظُ بها، وإنما دلالةُ العرف أرشدت إلى النهي عما زادَ عليها، ولربما قاربَ القياسَ، ولهذا ذهب الشافعي رضي الله عنه إلى أنه قياسى جلي، وقيل: قياسى واضحى، فإنه يلمحُ ما في التأفيفِ من التضجر، وينظر إلى ما في السبّ والانتهارِ من زيادةِ الأذى بهما، فيجعلُ التأفيفَ أصلاً تُردُّ إليه كل أذيةٍ مساويةٍ له، فيكون قياساً، وكُل أذيّة تَزيد عليه تكون تنبيهاً، وذلك أوضحُ الأقيسة.


= أما الزيادة التي ذكرها المصنف: "ومَن سرق عصا فليردها" فلم نقف عليها في كتب السنة التي بين أيدينا.
(١) يعني كلمة: أُف.

<<  <  ج: ص:  >  >>