للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إنما الربا في النسيئة" (١)، فأجازَ البيع نقداً ولم يجعل في النقدِ رباً لكونه دليلَ النص على النسيئة، وهو من فصحاء الصحابةِ وترجمانُ القرآن.

ومنها: قولُ الأنصار لا غُسلَ بالتقاء الختانين من غير إنزال، واعتمدوا في ذلك قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: "الماءُ من الماء" (٢) ومعلومٌ أن هذا نص فى غيرِ موضع الخلاف؛ لأن إيجابَ الغسل لأجلِ إنزالِ الماء لم يخالفهم فيه أحد، لكن دليلُ هذا النص: ولا ماءَ من غير ماء، معناه: ولاغُسلَ بالماءِ على من لم ينزل الماءَ، فبه عملِوا، وعليه عوَّلوا.

ومنهم من قالَ بوجوبِ الغسلِ مع الإكسالِ من غيرِ إنزالٍ، وأجابَ بأنَّ خبر: "الماءُ من الماءِ" منسوخٌ (٣)، ومعلومٌ أنهم لم يريدوا نسخَ المنصوصِ؛ لأنَّ "الماء من الماء" متفقٌ على بقاءِ حكمِه، لكن أرادوا بالمنسوخِ دليلَه، فقد بأن أنَّ هذا اتفاقٌ منهم على القولِ بدليلِ الخطابِ، إذ لو لم يقولوا به أغناهم عن ذلكَ كلهِ قولُهم: نحن قائلون بأنَّ الماءَ من الماءِ، ويبقى من التقاءِ الختانين من غيرِ إنزالٍ على مُقتضى


(١) ورد هذا الحديث بألفاظ مختلفة، فأخرجه بلفظ: "لا ربا إلاّ في النسيئة"، البخاري (٢١٧٨) و (٢١٧٩)، والنسائي ٧/ ٢٨١.
وأخرجه بلفظ: "الربا في النسيئة" مسلم (١٥٩٦)، والبيهقي ٥/ ٢٨٠.
ورواه بلفظ: "إنما الربا في النسيئة" ابن ماجه (٢٢٥٧)، والنسائي ٧/ ٢٨١.
والذي ثبت عن ابن عباس رجوعه عن الإفتاء بجواز ربا الفضل، حيث قال: (كنت أفتي بذلك حتى حدثني أبوسعيد الخدري، وابن عمر أنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، فأنا أنهاكم عنه".
رواه البيهقي ٥/ ٢٨١.
(٢) تقدم في الصفحة ٣٦ من الجزء الثاني.
(٣) جاء ذلك في حديث أبى بن كعب أنه قال: "إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنها" أخرجه أحمد ٥/ ١١٥ و١١٦، وعبد الرزاق (٩٥١) وابن أبي شيبة ١/ ٨٩، وأبوداود (٢١٥)، والترمذي (١١٠)، وابن حبان (١١٧٣)، والبيهقي ١/ ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>