للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبعينَ أن يَغفِرَ اللهُ لهم لزدتُ" (١) فبطل أن يكون تعلق بالدليلِ، وإنما علق ذلك بوجودِ طريق يعلم به أن الزيادةَ على السبعينَ تنفعهم، فيقال: إن هذا ذكره يحيى بن سلام في تفسيرِه المعروف عن قتادة قال: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد خَيرَني ربي" فوالله لأزيدهم على السبعين، وفي لفظٍ آخر: "ولأستغفرن لهم" (١)، فأنزل الله عز وجل في سورة المنافقين: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: ٦]، وكونُه من أخبارِ الاَحادِ لا يمنعُ ثبوتَ الأصلِ به؛ لأنه ينحطُّ عن الأصولِ القطعيةِ إلى كونه من مسائلِ الاجتهاد.

وأما قولُهم: إنه لا يُظن بالنبي ذلك. فهذا رد للأخبار بالاستدلال، ولا يجوزُ ذلك؛ لأنَّ السُنَنَ تأتي بالعجائب، وهي من أكبر الدلائل لإثبات الأحكامِ.

والمحققونَ من العلماءِ يمنعون رد الأخبارِ بالاستدلال كما روى أصحابُ أبي حنيفة خبرَ القَهقهةِ، وأنَ ضريراً دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع في زُبيةٍ (٢)، فضحكَ قومٌ في الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم: "مَنْ ضَحكَ قَرقَرةً فليُعد الوضوءَ والصلاةَ" (٣).

فقيل لهم: هذا الخبرُ بعيدٌ عن الصحة؛ لأنَّ أصحابَ رسول الله موصوفون بالرأفةِ والرحمةِ والعدالةِ، فيكف يضحكون في مسجدِ الرسولِ في الصلاةِ معه من أعمى يوجبُ سقوطُه الرحمةَ والرقةَ دون الضحك؟!

فقال المحققون: الخبر مرويٌ، فلا يُردُّ بالاستدلالِ، واستدلوا في ذلك بأنَّ بيِّنةً لو شهدت على رجلٍ صالحٍ معروفٍ بالخيرِ بعيدٍ من الشَّر بأنه أتلفَ مالَ إنسان أو غصَبه، لم يَجُزْ أن تُرَّد شهادتُهم بالاستبعاد لها، لمكان صلاحِ المشهودِ عليه وديانته،


(١) تقدم تخريجه في الصفحة ٢٦٩.
(٢) الزبية: هي الحفرة. "النهاية" لابن الأثير ٢/ ٢٩٥.
(٣) تقدم تخريجه في الجزء الثاني، الصفحة: ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>