للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ذكره الله في كتابه، وهاء الكناية في التثنية والجمع أبلغُ من الجمعِ با لواوِ.

وأمَّا قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نبدأ بما بدأ اللهُ به".

فلا خلافَ ان اللهَ بدأ بالصفا قولاً، ولكن عطفَ عليه بالواوِ الجامعةِ لا بحرفٍ مرتِّب، ومن عادةِ العربِ أن تبدأ نطقاً بالأهم، فلا يتحقق الترتيبُ إلا بحرفِ التراخي أو التعقيبِ الذي لا يصحُ أن ينطبقَ عليه الجمعُ، وها هنا يحسنُ أن ينطبقَ عليهما قولُ القائلِ: معاً، فدلَّ على أنها عاطفة جامعة لا مرتِّبةٌ.

وأما قول عُمر لشاعرِه: لو قدَّمت الإسلامَ؛ لأجزتك.

إنما طلب منه تقديمه لفظاً؛ لأنَّ الأهمَّ يجبُ أن يُبدأ به لفظاً، وإن كان مجموعاً بما بعده.

قال شيخُنا الإمام أبو القاسم الأسدي (١): على هذا؛ ليس في قولِ عمرَ ما يعطي أنه قدم الشيبَ، بل يعطي أنه لم يقدِّم الإسلام، وبينهما واسطة، وهو أنَه جَمَع، ومن جمع بين الإسلامِ والشيبِ، فما قدّم الإسلامَ، فأوقف جائزتَه على تقديمهِ الإسلامَ.

وأما قولُ ابنِ عباس: كما قدّم الدَّينَ على الوصية.

فالمراد به: لدلالةٍ دلتني على تقديمِ العمرةِ فعلاً على الحجِّ، كما دلَّت [على] (٢) تقديم الدَّين فعلاً على الوصية، ولعل الدليلَ قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦]، وكان يتمتع، فيقدمُها بهذه الدلالةِ كما قدم الدين على


(١) هو عبد الواحد بن علي بن عمر العكبري، أبوالقاسم الأسدي، من الشيوخ الذين أخذ عنهم ابن عقيل النحو والأدب، وكانت له معرفة باللغة والنسب وأيام العرب، توفي سنة (٤٥٠ هـ).، "تاريخ بغداد" ١١/ ١٧،"المنتظم" ٨/ ٢٣٦.
(٢) ليست في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>