للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن الزِّبعرى (١): لأخصمَنَّ محمداً. فجاء إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: قد عُبِدت الملائكةُ، وعُبدَ المسيحُ، أفيدخلون النارَ (٢)؟! فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١)} [الأنبياء: ١٠١]، فاحتجَّ بعمومِ اللفظِ، ولم يُنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - تعلُّقَه بذلك، وأنزلَ اللهُ سبحانه جوابَ ذلكَ مما دل على تخصيم، لا منكراً لتعلُّقِه، فعُلِمَ أنَ العمومَ مقتضى هذه الصيغةِ.

ثم إنَّ عبد الله بن الزِّبَعرى هَداه اللهُ إلى الإسلامِ، واعتذرَ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بقصيدةٍ، قالَ فيها:

أيامَ تأمُرني بأغْوى خُطَةِ ... سَهْم وتَأمُرني بها مَخْزومُ

فاليومَ آمنَ بالنبيِّ محمدِ ... قَلبي ومُخطىء هذه مَحرومُ

فَاغفِرْ-فِدى لكَ والديَّ كلاهُما- ... ذَنبي فإنَّك راحِمٌ مَرحومُ (٣)

ومنها: قولُه تعالى في قصةِ إبراهيمَ: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (٣١) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ


(١) هو عبد الله بن الزّبعرى بن قيس بن عدي، أبوسعد القرشي الشاعر كانَ من أشدِّ الناسِ عداوة للرسول - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية. أسلمَ بعد الفتحِ، وحسن إسلامه، واعتذر إلى رسول الله وقبل عُذْرَهُ. انظر ترجمته في: "الاستيعاب" ٣/ ٩٠١، و"الإصابة" ٢/ ٣٥٥ - ٣٠٣. و"أسد الغابة" ٣/ ٢٣٩ - ٢٤٠، و"طبقات فحول الشعراء"١/ ٢٣٣ ومابعدها.
(٢) أخرج الطبراني في "الكبير" (١٢٧٣٩) من حديث ابن عباس: لما نزلت: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} قال عبد الله بن الزِّبعرى: أنا أخصم لكم محمداً، فقال: يا محمد، أليسَ فيما أنزلَ اللهُ عليك: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}؟ قال: "نعم"، قال: فهذه النَصارى تعبد عيسى، وهذه اليهود تعبد عزيراً، وهذه بنو تميم تعبد الملائكة فهؤلا في النار؟! فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} وذكره القرطبي في التفسير ١١/ ٣٤٣، والسيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٧٩.
(٣) الأبيات في "سيرة ابن هشام" ٤/ ٦٢، و"الاستيعاب" ٣/ ٩٥٣ - ٩٠٤، و"الإصابة" ٢/ ٣٠٠، والأول والثالث في "طبقات فحول الشعراء"١/ ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>