للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استعمالُ الاسمِ في ضدِّ ما وضعَ له.

وإن قال قائلٌ: إنَّ الباقي من العمومِ حقيقةٌ، فلا نلزمه؛ لأنَّ الصيغةَ موضوعةٌ للاستغراقِ في أصلِ الوضعِ، وما تحتَ الاستغراق في كُلِّ لفظٍ شاملٍ لاثنين فصاعداً من الجنسِ، فهي عمومٌ في ذلكَ القدر؛ لأنها لم تُصرف إلى غيرِ ما وُضعت له؛ لأنَّ الشمولَ للكلِّ، والشمول للجملة التي تحت الكُلّ ليست غيراً ولا خلافاً، بخلافِ صيغةِ الحمار, إذا أريد بها: الرجلُ البليدُ، فإنها موضوعةٌ للنَّهَّاقِ في الأصلِ، والبليدُ غيرُ النَّهَّاقِ.

فصل

ومن شبهاتِهم: أنَّ استعمالَ هذه الصيغِ في البعضِ أكثرُ من استعمالِها في الكُّلِّ.

يقول القائلُ: جمعَ الأميرُ التجارَ, وحشر الصنَّاعَ، وغسلتُ ثيابي، وأسرجتُ دوابِّى، وتصدقتُ بمالي أو بدراهمي، وصرمتُ نَخلي، وجاءني بنو تميم. وكلُّ ذلكَ مستعملٌ في البعضِ، وقلَّ أن يستعملَ في الكُلِّ، ومُحالٌ أن يكونَ اللفظُ للكُلِّ وموضوعاً للاستغراق، ثم يكون استعماله في المجازِ أكثر كالحمارِ والبحرِ والأسَدِ والشجاعِ، لما كانت حقائقَ أصليةً كان استعمالُها فيما وضعت له أكثرَ من استعمالها فيما استعيرت له.

فيقال في (١) جوابهم: إنَّ كثرةَ الاستعمالِ لا تدلُّ على الحقيقة، وقِلَتَه لا تدل على المجاز بدليلِ أنَّ (٢) الاستعمال لاسمِ الغائطِ، والعَذِرَةِ، والراويةِ، والشُّجاعِ، ثم


= فقالت: إنَّ سيد الحيِّ سليمٌ, وإنّ نفرنا غُيَّب، فهل منكم من راق .. " الحديث، أخرجه البخاري (٥٠٠٧)، ومسلم (٢٢٥١).
وسليم هنا بمعنى: لسيع، وسمي سليماً؛ لأنه مُسْلَمٌ لما به، أو أُسْلِمَ لما به. "لسان العرب": (سلم).
(١) في الأصل: "من".
(٢) هكذا في الأصل، ولعل حذفها أولى لاستقامة العبارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>