للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا ترى أن صيغ الأسماء للأجناس لما كانت موضوعة لأعيانٍ مخصوصة لم يحسُن فيها الاستفهامُ، فلو قالَ: اذبح غَنَمي، واصرِم نَخلي، وتصدَّق بدارهمي. فقال: فهل تريدُ بالغنم الإبلَ، وبالنخيل الكرومَ، وبالدراهمِ الزعفرانَ؟ لماّ كانَ موضوعاً لتلكَ الأعيانه لم يحسُن الاستفهامُ فيه.

فيقالُ في جوابِهم عن ذلكَ: إن جوازَ الاستفهامِ لايقف على غيرِ الموضوعِ، بل يحسُنُ أيضاً في الموضوعِ حقيقةً (١)، لينفيَ باستفهامِه ما يعتري اللفظَ من التجوّز والاتساعِ والاستعارةِ، ألا تراه لو قال: دخلَ السلطانُ البلدَ. حسُنَ أن يقولَ: نفسُه أم عسكَرُه؟ وإذا قال: رأيتهُ (٢) مُقبلاً. حَسُن أن يقول: عَيْنه أو موكبَه؟ وإذا قالَ: ناطحتُ جبلاً، ولقيتُ بحراً، ورأيتُ حماراً. حَسُن أن يُستعلمَ: أمتَجوِّزٌ هو أم مُحِّق؟ فيقالُ: خاصمتَ رجلاً عظيماً, ولقيتَ رجلاَ كريماً, ورأيتَ رجلاً بليداً، أم نطحَك جَبَلٌ من حَجر, ولقيتَ ماءً غزيراً، ورأيتَ حيواناً نَهّاقاً؟

وإذا كان الاستفهامُ موضوعاً لزوال الالتباسِ، والإلباسُ حاصلٌ من حيثُ دَخَلَ الكلامَ التوسُّعُ والمجاز؛ لم يبقَ في الاستفهام دِلالةٌ على أنَ العمومَ لا صيغةَ له من حيثُ حَسُن فيه ودخلَ عليه؛ ولأنَ العمومَ صيغةٌ موضوعةٌ، لكنها ظاهرٌ, والاستفهام لطلبِ النصّ الذي هو الغاية التي لا تحتمل.

فصل

ومن شبههم أيضاً: أن قالوا: لو كان اللفظُ موضوعاً للاستغراقِ حقيقةً، لكان استعمالُه في البعض مجازاً، كما أنه لما كان استعمال لفظِة (حمار) حقيقةً في الحيوانِ النَّهَّاق، كان استعمالُها في الرجلِ البليدِ مجازاً، فلما كانت في الاستغراقِ حقيقةً، وفي البعض حقيقةً، عُلِمَ أنها إلى الاشتراكِ أقربُ منها إلى الوضعِ للعمومِ والشمولِ.


(١) في الأصل: "الحقيقة"، والمثبت من "العدة"٢/ ٥٠٧.
(٢) في الأصل "رأيت".

<<  <  ج: ص:  >  >>