للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجاج عبد الله بن الزِّبَعرى على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بها، وجوابُ اللهِ تعالى بالتخصيصِ

من غيرِ إنكارٍ للاحتجاجِ من طريقِ اللغةِ (١).

ومنها: أنَّ ما تحتَ اللفظِ العامِّ لا عبرةَ به، وإنَما العملُ للصيغِ؛ فقولُ القائِل: قامَ الناسُ. وقولُه: ليقم الناسُ. وقولُه: أقامَ الناسُ؛ وقوله: لم يقم الناسُ. كلُّه عمومٌ من طريقِ الصيغةِ. قال اللهُ سبحانَه: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر ٣٠]، وقال: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [البقرة: ٣٤]، فالصيغةُ واحدةٌ, فإذا اقتضت العموم في أحدِهما اقتضت الشمولَ والاستغراقَ في الآخرِ، ألا ترى أنه يحسُنُ الاستثناءُ في كُلِّ واحدٍ منهما بألفاظِ (٢) الشمول. والاستثناءُ لا يُخرجُ إلا ما كانَ لولاهُ داخلاً، والمؤكِّد لا يؤكِّد إلا بما يضاهي المؤكَّد به، نقول: سَجَدَ الملائكةُ كلُهم، ودخلَ الناسُ جميعهم، وجاءني زيدٌ نفسه. وإذا حسُنَ إخراجُ كلِّ واحدٍ من الجمعِ بالاستثناءِ، دلَّ على أنه دخلَ في لفظِ الجمعِ، وإذا حسُنَ تأكيدٌ بألفاظِ الشمولِ، دلَّ على أنه يقتضي الشمولَ.

ومنها: أن كُل صيغةٍ اقتضت معنى أفادت ذلك المعنى في الخبرِ والأمرِ والنهي وغيرِها من المعاني.

فالحروفُ المثبِتة والنافِية كحرفِ (ما) و (ليسَ) و (لا)، إذا دخلت على الأمرِ والنهي والخبرِ، أفادت معناها الذي وُضِعت له، نقول: ما زيد في الدارِ، وليس زيدٌ في الدارِ، ولا دخلَ زيدٌ الدار وفي النهي: ما ينبغي لك يا زيدُ أن تدخلَ الدارَ، ولا تدخل يا زيدٌ الدار. فكذلكَ صيغةُ العموم: دخل القومُ الدار، وأدخِلِ القومَ الدارَ، وقامَ الناسُ، وأقمِ الناسَ. وعلى هذا في كُلّ شيء دخلَ


(١) انظر ما تقدم في الصفحة: ٣١٤ وما بعدها.
(٢) في الأصل: "بالألفاظ".

<<  <  ج: ص:  >  >>