للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في الدلالةِ لنا على أنَّ المعقولَ في لغةِ العربِ من التحريمِ المنعُ

والمنعُ إنما يَتَجه (١) إلى ما عليه تسلُّط، ولا نوعَ تسلُّطٍ على الأعيانِ إلا بالأفعالِ، فلما قال: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [المائدة: ٢٦]، عُقِلَ أنهم ممنوعون منها، ولا منعَ يعود [إلا] (٢) إلى دخولهِم إليها وسكناهم فيها، وكذلكَ قوله في حق موسى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: ١٢] عاد إلى المنعِ من الارتضاعِ من ثدي غيرِ أمِّه من النساءِ الأجنبياتِ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشرابِ: "هو حرام عليَّ" (٣) فأنزلَ الله عر وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١]، وإنما عنى به: شُربَه حرامٌ عليَّ، والعربُ تقول في البِكر: بنتُ محرمة، بمعنى لم تُفْرَع (٤).

قالوا: لا يجوزُ أن تكونَ الأفعالُ حُرمَتْ لأعيانِها، وكونِها أفعالاً، لكن بمعاني في الذواتِ التي أُضيفَ التحريمُ إليها، فالأم لمكانِ حرمتهِا، ولتربيتها، وكونِها السببَ في الإنجابِ، والكُلّ الذي الولُد جزءٌ منها، صينَت عن البذلةِ بالمتعةِ، ولهذا أعتقت ساعةَ تملُّكِها عند قومٍ (٥)، ووقتَ إزالةِ الملكِ عنها عندَ أهلِ الظاهرِ (٦)، صيانةً عن


(١) تحرفت في الأصل إلى: "نتيجة".
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) أخرج ابن جرير ١٤/ ١٥٨، والبخاري (٤٩١٢) (٥٢٦٧)، ومسلم (١٤٧٤)، وابن كثير ٨/ ١٨٧ - ١٨٨ طبعة الشعب، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنتِ جحش ويمكثُ عندها فواطأت أنا وحفصة أنَّ أيّتنا دخلَ عليها فلتقل له: أكلت مغافير؟!، إني اْجدُ منك ريح مغافير قال:" لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب فلن أعود له، وقد حلفتُ لا تخبري بذلك أحداً"، فنزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ..} [التحريم: ١].
(٤) أي لم تفتض بكارتها، تقول العرب: افترع البِكر بمعنى افتضها، والفُرعةُ: دمها.
(٥) وهو قول عامة الفقهاء، انظر "المغني" ٩/ ٢٢٣.
(٦) قال ابن قدامة في" المغني" ٩/ ٢٢٤: ولم يُعتق داود وأهل الظاهر أحداً حتى يعتقه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يجزي ولدٌ والده شيئاً، إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه، فيعتقه".

<<  <  ج: ص:  >  >>