للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يجوزُ أن يقدَّمَ المظنونُ على المقطوعِ، كما لا يُقضى بخبرِ الواحدِ على الإجماعِ.

ومنها: أنَ التخصيصَ لكتابِ الله إسقاطُ ما تضمَّنه القرآنُ، أو إسقاطُ بعضِ ما يقتضيه القرآنُ بخبرِ الواحدِ، فلم يجز، كنسخِ القرآنِ بخبرِ الواحدِ.

ومنها: أنَّ الترجيحَ للأدلَّةِ بابٌ مُجمَعٌ عليهِ عند أهلِ النظر، وخبر الواحدِ ضعيف، والقرآن قويّ، فلا يجوزُ تقديمُ الضعيفِ على القويِّ، كما لا يقدَّمُ القياسُ على الخبرِ (١).

فصل

في جمع الأجوبة عنها

فالأوَّلُ: أنَّا لا نُسقطُ المقطوعَ بالمظنونِ؛ لأنَّ المقطوعَ به في كتابِ الله إنما هو أصلُ الكلامِ وإثباتُه، فطريقهُ القَطعُ، ولسنا نُسقطُ ذاك، وإنما نقضي على عمومِه وتناوله للأعيانِ التي أخرجها خصوصُ الخبر وتلكَ الأعيانُ ما دخلت تحت العمومِ إلا من طريقِ الظاهرِ وغلَبةِ الظن، ولذلكَ سُوِّغَ الاجتهادُ ممن أسقطَ العمومَ ونفى أن تكونَ له صيغة، ولذلكَ لم يفسق ولم يكفر، بل خُطّىءَ، فرجّحنا الصريحَ على ذلكَ الظاهرِ المظنونِ، كما تُصرف صيغُ الأوامرِ التي في كتابِ الله عن الإيجاب إلى الندبِ والاستحبابِ، والنواهي عن التحريمِ والإفسادِ إلى التنزيهِ والكراهةِ بأدلةِ مظنونةِ.

على أنَّه باطلٌ بما قدّمنا من الحكمِ بخبرِ الواحدِ على براءةِ الذِّمم بأدلَّةِ العقولِ المقطوعِ بها، وكما يقضى بنقلِ الملكِ عن المالكِ الذي شَهِدَ بملكِه الصادقُ بشهادةِ شاهدين صدقُهما غيرُ مقطوعِ به.

وأمَّا إلزامُ النسخِ، فقد منعناه بما نصَّ عليه أحمدُ واستدلَّ بخبرِ القبلةِ والخمرِ ولم يكلنا (٢) على طريقِ توسعةِ النظر وسلَّمناه نظراً، فإنَّ النسخَ إسقاطٌ لموجَبِ اللفظ،


(١) انظر "العدة" ٢/ ٥٥٧، و"التبصرة" ١٣٤ - ١٣٥.
(٢) هكذا وردت في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>