للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانَ بيعُها طلاقاً لما خيَّرها، وخالفَ ابنُ عباسٍ هذا الخبر وهو راويه، وكان يقولُ: بيعُ الأمةِ طلاقُها (١)، ولم يكن ذلك موجباً ترك الخبر.

ووجهُ المذهبِ الآخر أنَّ الصحابيَّ لا يخالفُ الخبرَ ولا يعاندُه، فإذا عملَ بخلافِه، أو أفتى بخلافِه استدللنا على نسخِ الخبر, وأنَّه إنَّما خالفه وتركَه عن توقيفٍ عرفَه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتصاريفِ أحوالِه الدالّةِ على إسقاطِ حكمِ الخبرِ (٢).

جوابُ من نصرَ الأوَّلَ: أنَّ وجوهَ الاحتمالِ لغير ما ذكرتَ كثير، فلمَ قصرتَه على النَسخِ؟ ودلالة الحال مع احتمالِ النسيانِ أو التأويلِ بنوعِ شبهةٍ تجلَّت عنده بالدليلِ مع كونه مجتهداً يُقَرُّ على الخطأ، وليس بمعصومٍ، فلا وجهَ لتقليدِه، وتركِ ظاهرِ الخبرِ مع احتمالِ هذه الوجوه.

الثاني مما تعلَّقوا به: أنَّ الصحابيَّ أعرفُ بقولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - لسماعِ الوحي ومشاهدةِ الأحوالِ، وتصاريفِ النبي عليه الصلاة والسلامُ، فكان قولُه قاضياً على ظاهرِ الأخبار.

فيقالُ: قد وفيناه حقَه من هذه الميزةِ فيما يحتملُ من الألفاظِ، فأمَّا ما لا يحتملُ ولا يفتقرُ إلى التفسيرِ والبيانِ فلا؛ لأنَه مجرّدُ خلافٍ منه للخبرِ، ولأنَّه لو عرفَ أمراً؛ لوجبَ عليه نقلُ ذلكَ الأمرِ لنَعرِفه كما عرفَه.

على أنَا قد بيَّنا وجوهَ الاحتمالِ التي لا يستحيلُ حصولُها في حقّه، فلا وجهَ لإبطالِها والاقتصارِ على ما ذكرت.


= ولاءها، فشرطت ذلك، فلما جاء نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -، أخبرته بذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الولاء لمن أعتق" ثم صعدَ المنبر فقال: "ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله" وكان لبريرة زوج، فخيَّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شاءت أن تمكث مع زوجها، وإن شاءت فارقته، ففارقته.
تقدمت الإشارة إليه في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لمن أعتق" انظر الصفحة ٢٧٨ من هذا الجزء.
(١) أورده ابن حجر في "فتح الباري" ٩/ ٤٠٤.
(٢) انظر "العدة"٢/ ٥٩٢، و"الإحكام" للآمدي ٢/ ١٥، و"المسودة": ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>