للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخصوص: أنَّ العموم نطقُ الشارعِ، ونطقُه لا يُخَصُّ إلا بنطقِه أو ما يستخرجُ من نُطقِه، كالفحوى، ودليلِ الخطابِ، ومعنى الخطابِ، فأمَّا العادةُ؛ فليست إلا وضعَ الشهواتِ أو الاختياراتِ أو الحاجاتِ التي لا يجوزُ أن تكونَ شرعاً، فكيف تَخُصُّ شَرعاً؟!

وأيضاً: فإنَّ الشريعةَ جاءت بتغيير العوائِد وحسمِ موادِّها، فلا يجوزُ أن يكونَ ما وردت الشريعة قاضيةً عليه، قاضياً عليها، ومُزيلاً لعمومها؛ ولأنَّ الشرع إمَّا لمصلحةٍ أو تحكُّمٌ بالمشيئةِ، والعاداتُ قد تقع بالمفاسدِ، ومخالفةً للمصالح؛ لأنها واقعة ممّن لا مَعرفةَ له بالمصالحِ، وتحكُّمُ الشرعِ إذا وردَ إنما يردُ على ألسنةِ الرسُل، فلا وجْه لقضاءِ العادةِ على عمومِ لفظِ الشارعِ ونطقِه، ولأنَّه لو خُصّصَ العمومُ بالعوائدِ؛ لما عُمِلَ بعمومٍ قط؛ لأنَّ العاداتِ قد تتجددُ أبداً، والخصوصُ بيانٌ، فيفضي إلى خلوِّ نطقِ الشرعِ عن بيانٍ.

شبهةٌ: إذا جاز أن يُخصَّ الاسم بالعرفِ، جازَ أن يُخصَّ العمومُ الشاملُ بالعرفِ.

قالوا: ونقول: ما خُصَّ به الاسمُ خُصَّ به العمومُ، كالنطقِ والقياسِ، ولأنَّ إطلاقَ الثمنِ في البيع يختصّ بنقدِ البلدِ، وهو عُرفٌ، وقد أجمعنا على حَمْلِ اسم الدابة على حيوانٍ مخصوصٍ، وإن كان واقعاً على ما يَدبُّ.

فيقال: إنَّ عرفَ الاستعمالِ في الاسمِ مقارنٌ للفظ، فيصيرُ ذلك لغةً جاريةً، فإنَّ اللغةَ أصلها استعمالٌ، بخلافِ وضعِ الشرعِ، فإنَّه ليس بمبنيٍّ على الاستعمالِ، وإنَّما هو وضعٌ وتحكُم، أو تحكم الحِكمةِ والمصلحةِ للمكلَّفين.

وممَّا يوضحُ الفرقَ بين اللُّغة والشرعِ: أنَّ العاداتِ التي يحتاجُ النَّاسُ إليها لم تتحكمْ على الوضعِ الشرعيِّ، وذلكَ مثلُ عادة الديالِم والركابية والباتاواة (١) أكثرُ


(١) هكذا وردت في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>