للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقول: اقتُلوا مَن بدَل دينه، أو: "مَنْ بَدَل دينَه فاقتُلوه" (١)، فنأخذ بعموم اللَّفظ دون خصوص السبب، وبه قال الفقهاء، خِلافاً لمالك، والمزني -من أصحاب الشافعي-، وأبي ثور، وأبي بكر القَفّال، والدَّقاق في قولهم: يقصر على السبب الخاص، ويخصّ به عموم الجواب (٢).

فصل

يجمع أدلتنا

فمنها: أنَّ الحكمَ إنَّما يُتلقى من لفظ صاحبِ الشريعةِ دونَ نطق السائِلِ، فإذا كان لفظُه عامّاً، وسؤالُ السائلِ خاصَّاً، علمنا أنه مبتدىءٌ بالتشريعِ العام، تاركٌ لتخصيصِ السائِل، فالسائلُ إذا قال له: إنَّ زوجتي ارتدَّت، فقال هو - صلى الله عليه وسلم -: "من بدَّلَ دينَه" فعليه القتلُ، أو: "فاقتلوه" (١)، علمنا أنَّه أرادَ تشريعَ قتلِ المرتدينَ أجمعَ، بوحيٍ عامٍّ نزلَ عليه، وكان المثيرُ له سؤالَ السائلِ.

ومثلُ هذا من الكلامِ الجاري فيما بيننا: أنَّ قائلاً لو قالَ لغيرِه: هل أنجزَكَ الأميرُ ما وعدَكَ؟ فقال: إنَّ الأمير منجزٌ وعدَه، محققٌ لخبرِه بإنجازِه، لا يُخلفُ وعداً، ولا يَنكُثُ عقداً. عَلمَ كُلُّ سامعٍ كلامَه أنَّه لو أرادَ جوابَ سائلِه فقط، لقال: نعم أنجزَني. فلما أطالَ؛ عُلِمَ؛ أنَّه قصدَ وصْفَ الأميرِ بإنجازِه عِداتِه هذه وغيرَها، وأنَّ ذلكَ دأبُه وخُلُقُه وعادتُه، وهذا أعمُّ من السببِ والسؤالِ.

والذي يوضِّحُ هذا: أنَّه لو كانَ كلامُه مقصوراً على سؤالِه؛ لما كانَ مجيباً له، ألا


(١) تقدَّم تخريجه ١/ ٣٩.
(٢) سبقت الإشارة إلى هذه المسألة، وبيان أنَّ المعتمدَ عند كثير من أئمة الشافعية: أنَّ اللفظ العام المستقل بنفسه، الواردَ على سببٍ خاصٍّ من سؤال أو واقعة، يجبُ حمله على عمومه. انظر ما تقدم في ٢/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>