للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: "خَليةٌ" لفظٌ صالحٌ متردد بين خليِّةٍ من زوجٍ، ومن الخيرِ، فإذا سألَتْه، كان الظاهرُ أنَّه قصدَ جوابها، فصارَ ما دلَّ على نيته وقَصدِه [قائماً] (١) مقامَ قصده، ودلائلُ الأحوالِ أبداً تترجَّحُ إلى أحد محتملي اللفظِ (٢).

ومثلُه من ألفاظِ صاحبِ الشريعةِ إذا قال له الرجلُ: أريدُ طلاقَ زوجتي لكونِها متبرِّجةً. فقال: خَلِّها. صُرِفَ إلى التخليةِ بالطلاقِ، دونَ التخلية من حَبسِه وحَجرِه.

ومنها: أنَّه جوابٌ خَرَجَ على سؤالٍ خاصٍّ، فكانَ مقصوراً عليه، كما لو لم يستقلَّ إلا بالسببِ.

فيقال: المعنى هناك: أنَّ اللفظ لم يتناول غير ما سئلَ عنه، فهو كقوله - صلى الله عليه وسلم -:

"تُجزئكَ ولا تُجزىءُ أحداً بعدَكَ" (٣) لمَّا لم يصلح الخطابُ لغيرِه وُقِفَ عليه، وليسَ كذلكَ ها هنا، فإنَّ اللفظَ العامَّ موضوعٌ للشمولِ، فهو كلفظِ المجيبِ إذا تناولَ عدداً مخصوصاً كالعشرةِ، والسائلُ واحدٌ، فلو قالَ له واحدٌ من عشرة حاضرين: يا رسولَ اللهِ، أتوضأ بماءِ البحر؟ فقال: توضؤوا بمائِهِ، فإنَّه يُعملُ بجوابِه الشاملِ للعشرةِ، دون خصوصِ السائلِ.

ومنها: أنْ قالوا: لمّاَ وردَ الخطابُ على السببِ، دلَّ على أنَّه بيانٌ لِحكمةٍ خاصَّةٍ، إذ لو كانَ بياناً لغيرِه لبينه قبلَ السؤالِ؛ لما وجبَ عليه من بيانِ الأحكامِ.

فيقالُ: يجوزُ أن يكونَ عند سؤال السائل نزلَ الوحيُ له وللأمّة، بل الظاهرُ ذلكَ، وإنَّما لم يَبتدىء، لأنَّ اللهَ سبحانه أثَارَ السببَ، وهو الحاجةُ إلى السؤالِ حتى يبين الحكم العام للأمة، كما قيضَ العباس لقوله: يا رسولَ الله إلا الإذخرَ، فقال: "إلا


(١) زيادة يستقيم بها السياق.
(٢) هكذا فى الأصل، ولعل صوابها: "ودلائل الأحوال أبداً ترجح أحد محتملي اللفظ".
(٣) تقدم تخريجه ٢/ ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>