للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو ركِبَ دابَّتها، أو استخدم عبدَها وأمتَها، فإنَّه يحنثُ، فقد تعدت اليمينُ السببَ المحلوفَ عليه.

على أنَّ الأيمانَ تُحْالف وضعَ الشرعِ؛ لأنَّها تتخصص بالعرف، ولهذا لو حلفَ: لا أكلتُ الرؤوسَ. حُمِلَ على رؤوسِ الأنعامِ، و: لا دخلتُ سوقَ الطعامِ.

تخصَّص حِنثُه بدخولِ سوقِ الحِنطةِ دونَ دار البِطِّيخ وسوقِ الخبازين، وإن كان الخبزُ أقربَ إلى الطُّعمِ والأكلِ، فإنَّ الطعامَ طُعمةُ الإنسانِ، والحنطةُ أبعدُ من الطُّعمِ (١).

ومنها: قولُهم: لو لم يكن الجواب مقصوراً على السبب؛ لجاز إخراجُ السَببِ عن تناول حكمِ الخطابِ له، كما لو نَطقَ باللفظِ العامِّ ابتداءً، فإنه لو ابتدأ العمومُ جاز تخصيصُه فيما عدا السببَ الذي وردَ عليه سؤالُ السائلِ في مسألتِنا، فلمَّا كانَ السببُ لا بُدَّ داخلاً، عُلِمَ أنَّه قد تخصَّص به تخصُّصاً خرجَ به عن حكمِ العمومِ المبتدأ.

بيانُه: أن يقول ابتداءً: "الماءُ طَهوو لا ينجسُه شيءٌ" (٢)، ويخصُّ به ماءَ بئرِ بُضاعة بأنَّه ليسَ بطَهورٍ، فلَّما جاءَ سؤالُ القوم عن بئر بُضاعة، فقالَ: "الماءُ طهور"، لم يَجز بعدَ خروجِ سؤالِهم عنها أنْ يخرجَ ماؤها عن الطُّهوريةِ المذكورةِ.

فيقال: إنَّما لم يجز إخراجُه عن الجوابِ بعدَ السؤالِ؛ لأنَّ الجوابَ وإن كانَ لفظُه عامَّاً، إلا أنَّه لا بُد أن يكون جواباً عن السؤالِ، فأوَّلُ ما يُراعى في اللَّفظِ الواردِ عقيبَ السؤال أن يكون جواباً، ثم يُعطى العمومُ حقَه، كما أعطيَ السؤالُ حقَّه، ألا ترى أنَّه لا يحسُنُ أن يقولوا له حالهَم التي ذكروها في البَحرِ، ثم يُتبعوه: أفنتوضأ بماء البحر؛ فيكونُ جوابه: هو الحلُّ ميتته. لأنه ابتدأ إفادةً بالشرعِ إباحة ميتةِ البحر،


(١) انظر هذه الشبهة والرد عليها في "العدة" ٢/ ٦١٣.
(٢) تقدم تخريجه ١/ ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>