للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، لم يجُز أن يقعَ موقعَ البيانِ، فلم يبقَ إلا أن يكونَ ناسخاً له.

فيقالُ: إنَّ العمومَ، وإن كانَ يفيدُ الحكمَ في جميعِ المسمَّيات، فقد بينا انَه إنَّما يفيدُ ذلكَ من طريقِ الظاهر ويحتملُ أن يكونَ المرادُ به غيرَ ما تناوَله الخاصُّ، والخاصُّ يتناولُ ما تناولَه بصريحِه من غير احتمال، فوجبَ القضاءُ به عليه، وتأخيرُ بيانِه يجوزُ, وفيه فائدةٌ كبيرةٌ بأنْ يعتقدَ المكلفُ ذلكَ ويعزمَ عليه فيقعُ له ثوابُ العزمِ إلى أن يأتيَ دليلُ الخصوصِ، ويعتقد الخصوص ويعمل به إذا وقعَ ابتداءً قبل العمومِ (١).

ومنها: أنَّه لو أرادَ استثناءَ الأولِ من العمومِ الثاني لذكرَه ونبه عليه؛ لعلمِه باعتقادِ أهلِ اللّغة عمومَه بكونِ الصيغةِ موضوعة للشمولِ، فلما لم يُبَين ذلكَ كانَ الظاهرُ أنَّه رافعٌ للأوَّلِ، فيكون العمومُ الثاني ناسخاً للخصوصِ المتقدِّمِ عليه، هذا هوَ الظاهرُ.

فيقالُ: إنما أخَّره؛ لأنَه يجوزُ تأخيرُ بيانِه، وإذا جازَ تأخيرُ البيانِ، فلا فرقَ بين ذكرهِ معَهُ أو قبلَه أو بعدَه، ولا نسلِّم أنَّ أهلَ اللغةِ يعتقدونَ عمومَ الصيغةِ مع تقدم الخصوصِ، بل الخصوصُ المتقدّمُ ممهِّدٌ عندَهم أنَّ العموم الثاني لايدخلُ على الخصوصِ المتقدِّم.

ومنها: أنَّ العمومَ المتفق على استعمالِه في الشمول وأستغراقِ الجنسِ قد صار معلوماً كالنَّص، وصارَ يتناولُ كل واحدٍ من الجنسِ، فصَاركما يتناولُ كل واحد على الانفرادِ، ومعلوم أنَّه لو قال: اقتلوا المشركينَ، ولا تقتلوا أهلَ الكتابين. ثم قالَ: اقتلوا زيداً، وعَمراً، وبَكراً، وخالداً، وسالماً، وما زالَ يذكرُ أعيانَ المشركينَ واحداً بعدَ واحدٍ بأسمائهم الخاصَّةِ، وفيهم أهلُ الكتابينِ، قضى اللفظُ الشاملُ لأعدادِهم، فعمَّهم بالقتلِ قاضياً على الخصوصِ الأوَّلِ، كذلكَ ها هنا.

فيقالُ: ليس ذكرُ الأعدادِ والآحادِ على الإفرادِ منْ قبيل العموم الشامل لهم


(١) انظر "العدة" ٢١/ ٦٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>