للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صفةَ من الآخر من حيثُ نطقَ بها في إحداهما وسكتَ عنها في الأخرى (١).

ومنها: أن قالوا: المطلقُ نطقُ الشارعِ، والمقيَّدُ نطقُه، فليسَ حَملُ أحد النطقينِ على الآخرِ بأولى من حملِ الآخرِ عليه.

فيقالُ: إنَّ كونَ النطقينِ من جهةٍ واحدةٍ لا يوجبُ نفيَ افتراقِهما لمعنى يعودُ إلى النطقِ، فالناطقُ واحدٌ، والنطقانِ مختلفان، فأحدُهما: يتناول الحكمَ بإطلاقِه وعمومِه، وهو الظاهرُ، والآخرُ يتناولُه بخصوصه وتقييده، وهو صريحٌ، وما هما إلا بمثابةِ العام مع الخاصِّ، والاستثناءِ مع الجملةِ المستثنى منها.

ولأنَّ حملَ الخاصِّ على العامِّ يفضي إلى إسقاطِ الخاصِّ كُلِّه بالعامِّ، وفي البناءِ للعام على الخاصِّ، والمطلقِ على المقيَّد عملٌ بالدليلينِ والنطقينِ جميعاً، فيعملُ بالعامِّ فيما يتناولُه الخاصُّ، وبالخاصِّ فيما وردَ فيه، فقد بانَ الأولى، وسقطَ ما ذكرتَ من دعوى عدمِه.

ومنها: أن قالوا: حملُ العامِّ على الخاصِّ إهمالٌ للعام؛ لأنَّه يقتضي الاستغراقَ، فإسقاطُ استغراقِه إهمالٌ له، وذلكَ لا يجوزُ.

فيقالُ: إنَّ التخصيص استعمالٌ ولغةٌ، فلا يجوزُ تلقيبه بالإهمالِ، ولا يسقطُ استعمالُ أهلِ اللغةِ، ولا استعمالُ أهلِ الرأي والقياسِ لأجل تلقيبِك له بالإهمالِ.

على أنَّا نقولُ له: إعمالٌ؛ لأنَّه جمع بين اللفظين، وفي تركه البناءِ إسقاطٌ لعملِ الخصوصِ والتقييدِ، وذلك غيرُ جائزٍ، كما لم يجُز إسقاطُ التخصيصِ لبعضِ الأعدادِ المنصوصِ عليها بحكم يشملها، كالإشارةِ، والاستثناءِ، والتقييد بالصفةِ، مثل قوله بعد الإطلاقِ للتخييرِ بين العشرةِ: القارىء، أو الفقيه، أو ما شاكلَ ذلكَ، فإنه يقضى بذلكَ التقييد على التخييرِ الذي سبق فيما بيَّناه من قبل في قوله: أعط أيّهم شئت.


(١) انظر "العدة"٢/ ٦٤٦ - ٦٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>