للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

يجمع أدلّتنا

فمنها: قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من حلفَ على يمينٍ فرأى غيرَها خيراً منها، فليأتِ الذي هو خيرٌ، وليكفِّر عن يمينه" (١)، وروي: "فليكفّر عن يمينه وليأتِ الذي هو خير" (٢) ولو كانَ الاستثناءُ طريقاً للتخلص بعد حصول الندم، وتأمُّل الخير في البُرء منها، لأرشدَ إليه، ولم يخصَّ ذلك بالكفارةِ، ولم يوجب الحِنثَ مع إمكانِ البِرِّ، فلما نصّ على التكفير، دلَّ على أنه لا طريقَ إلى ذلك بالاستثناءِ، إذ لو كان كذلك؛ لكان يُرشدُ إلى الأسهلِ (٣).

ومنها: أنَّ أهلَ اللغةِ لا يعُدّون ما انفصلَ استثناءً، فلو قال القائل: رأيتُ بني تميم كلَّهم. وقال بعد شهر إلا زيداً، لم يعد في قوله: إلا زيداً. متكلماً بلُغةِ العرب، ولا يُلَفَّق هذا إلى الكلام الأول كما لا يُلَفقُ الحال بأن يقول: رأيتُ زيداً. ثم يقولُ بعد شهرٍ: قائماً, وكذلك قولُه: دخل زيدٌ الدارَ. ثم يقولُ بعد سَنةٍ راكباً. فهذا ليس بكلامٍ في عُرفِهم وعادتهم. حتى إنه لو كان ساكتاً منذ قال القولَ الأول، وقال بعد ذلك لفظَ الاستثناءِ، لم يكن مُستثنياً، فكيف إذا مضى بين الكلامين من أنواعِ الكلامِ، وجرى من الأحاديثِ الفاصلةِ بين الكلامين ما يخرجُ عن إلصاق بعضه ببعض، وتلفيقِ بعضه إلى بعض؟!


(١) أخرجه أحمد ٢/ ١٨٥، و٢١١ و٢١٢ و ٢٠٤، والطيالسي (٢٢٥٩)، والنسائي ٧/ ١٠، وابن ماجه (٢١١١)، وابن حبان (٤٣٤٧)، والبيهقي ١٠/ ٣٣ - ٣٤ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٢) أخرجه بهذا اللفظ من حديث اْبي هريرة رضي الله عنه.
مالك في "الموطأ" ٢/ ٤٧٨، وأحمد ٢/ ٣٦١، ومسلم (١٦٥٠)، والترمذي (١٥٣٠)، والبغوي (٢٤٣٨)، وابن حبان (٤٣٤٩)، والبيهقي ١٠/ ٥٣.
(٣) "العدة"٢/ ٦٦١ - ٦٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>