للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال: إنَّ ذلك إنْ صَحَ عنه، فلعله أراد به إخباراً عن شيءٍ كان قد أضمره في نفسِه، أو نطقَ به، فأخبره بإضمارِه بعدَ سنَةٍ أو إسرارِه، فظن ظانٌّ أنه ابتدأ الاستثناء في ذلك الوقتِ، والإضمارُ يستعملهُ الناسُ في الأَيمان، إذا كانت لدفعِ الظلم، وقد يَعتدُ به قوم في تقييدِ الإطلاق، فأمَّا على الوجه المذكور عنه فلا وجه له لغةً ولا شرعاً، ولو كان على غير ما تأوَّلنا لحججناه بالأدلةِ التي ذكرنا.

ومنها: أنه تخصيصُ عموم، فجازَ أن يتأخَر، كالتخصيص للعموم بغيرِ لفظِ الاستثناء (١).

فيقال: إنّا لا نُسلِّم على قول أبي الحسن التميمي، وأبي بكرٍ عبد العزير لأنَّهما لم يُجِيزا تأخيرَ البيانِ عن وقتِ النطقِ. وإن سلمنا؛ قلنا: فذاك تستوي فيه السَّنةُ وما قلَّ وكثر وزاد ونقصَ، فيقلب فيقول: فلا يتخصصُ بالسَنةِ كالأصل.

ولأنَّ التخصيصَ يجوزُ بغير النطقِ من دلائلِ العقولِ، والسنّةُ: وهي لفظُ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - يخصُ بها كتابُ اللهِ، والقياسُ المستنبط (٢)، وليس لنا استثناءٌ إلا هو لفظٌ من جهةِ من نطقَ بالجملةِ المستثنى منها، فهذا كلُّه يبعدُ التخصيصَ عن الاستثناءِ،


= ومنهم من قال: "إن هذه الروايةَ إن صحت؛ فتحملُ على أن المستثنى نَوى الاستثناء متصلاً بالكلام، ثم أظهر نيته بعده".
"التبصرة"١٦٢، و"المستصفى"٢/ ١٦٥، و"المحصول" ٣/ ٢٨، و"العدة"٢/ ٦٦١، "شرح مختصر الروضة"٢/ ٥٩٠، و"شرح الكوكب المنير" ٣/ ٢٩٨، و"إرشاد الفحول": ٢٥٢.
(١) أي أن من أدلةَ المخالفين: أنه كما يجوز تأخيرُ أدلة التخصيص عن لفظ العموم، يجوزُ تأخير الاستثناء؛ لأنه في معنى التخصيص.
(٢) أي القياس المستنبط يخصُّ به كتاب الله الكريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>