للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا موضوعُ العرفِ والعادةِ.

وأمَّا تعويلُهم على الشعرِ وقولهم: نقصت تسعينَ من مئةِ، فإنه ليس باستئناء وإنما حكى وأخبرَ بالحالِ، وعادةُ من أرادَ حكايةَ النقصان أنه يذكرُ ما نقصَ؛ لأنَّه تقريرٌ لما فوقَ وتأكيد (١) له، أو شرحُ حسابِ ذكرَ أصلَه، ثم ذكر خَرْجَه (٢).

على أنَّنا لا ننكرُ أن يُستعمَل مثل ذلك القليل النادر وإنما المعوَّلُ على الاستعمالِ الشائع، ولا سبيلَ إلى الظفرِ بذلك.

والذي يوضِّح أن التَنْقيصَ غيرُ الاستثناء: أنه يحسنُ أن يقولَ القائلُ: طلَّق الرجلُ من زوجاته ثلاثاً، وطلَّق امرأته من الثلاثِ طلقتين، ولا يحسنُ أن يقول: طلَّقَ زوجاتِه كلهنَّ إلا ثلاثاً، وطلقَ زوجته ثلاثاً إلاطلقتين. ولو سُئِل، فقيل له: كم طلقتَ من زوجاتِك الأربع؟ فقال: كلهنَّ إلا ثلاثاً. لاستُهجِنَ ذلك، ولو قال: طلقت منهم ثلاثاً. حَسُن ذلك، فيخبر عن الإيقاع بالأكثر ولا يستثنى الأكثر.

فأمَّا الإكثارُ والإطالةُ، فهي من جملةِ اللغةِ، لكنْ للإفادة، فالتثنّي في القصصِ لبيانِ الفصاحةِ وتعجيزِ العربِ بأنَّ القصة الواحدة، كقصة نوحِ وموسى، مذكور بهذه الألفاظ الكثيرة المتكررة، وقد تُحدُّوا بواحدةِ من القَصَصِ، فما قدروا على مثلها، مع كونِ الله سبحانه قد أتى بأمثالها، وهذا أكبر قصدِ في التعجيز.

ونفسُ الاستثناء مستعملٌ غيرُ مستهجنٍ، فأمَّا استثناءُ الأكثرِ فإنَّه غيرُ مستعمل على ما بيّنا، وما دخل في كلامِ المُحْدَثين -من غير استعمالِ كثُرَ من العربِ- واستمرَّ, فلا عبرة به.


(١) في الأصل: "تكثير" ولا يستقيم بها المعنى.
(٢) أي: ما خرج منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>