للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَستعيرُ (١) له اسمَ بهيمةٍ، فيقول: أسدٌ وشجاعٌ؟ فلما استعملوه مع وجودِ الحقائقِ، دلَّ على تحسينِ الكلام، ولهذا لم يذمُّوا مستعملَه، بل كان أحذقُهم في ذلك أشعرَهم وأَخطَبَهم، ولو كان للحاجةِ، لكان أكثرُهم استعمالاً له أعجزَهم، لأنَّ ما يُستَعملُ للحاجةِ، دلَّ على شدةِ احتياجِه، ألا ترى أنَّ الإشارةَ لما كانت بدلاً عن الكلامِ لأجلِ لُكْنَةٍ، أو فساد في آلات المنطقِ وأدواتِه، لم تُعَدَ فَضْلاً؟ بل من ساعد منطقَه بيده، لم يعدَّ فاضلاً، لأنَّه لما استعان على تفهيم مكلَّمه ومحْاطَبه بيدِه وليست أداةً لنطقِه، كان ذلك لقصورٍ يجدُه في لفظِه، أو لُكْنَةٍ، أو لسوءِ فهمِ السامعِ، فإذا رأيناهم يعتمدونَ ذلك مع انتفاءِ هذه الموانع والعوارِضِ، عُلِمَ أنَّه في وضعِ كلامهم، وعاداتِ خطابِهم، وصار ذلك أشبهَ شبهاً بما [في] الكتاب في خطوطهم، من تَطويلِ الحروفِ، وسلسلةِ المنظومِ منها بعضه ببعض، فيكونُ ذلكَ طريقةً في الخطِّ، وقدرةً في السطرِ، وهل يكونُ أحسن من قول القائل:

امتلأ الحوضُ وقال: قَطْني ... مَهْلاً رُويداً قد مَلأْتَ بَطني (٢)

ويريدُ أنَّه بلغ من الامتلاءِ مبلغاً لو بلغه الحيُّ الناطقُ، لكان قائلاً: حسبي وقطني.

وفي قولِ المجاز والاتساع فضيلة أيضاً، لأنه يدلُّ على اطِّلاع المستعير للبليد: حماراً، وللمحراب: أسداً وشجاعاً، وللسخيِّ: بحراً، وللمرأة: قارورةً، على ضربٍ من المقايسةِ، فإنه يُلحقُ


(١) في الأصل: "استعير".
(٢) "اللسان": (قطن)، ومعنى قطني، أي: حسبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>