للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو حفظُه من التبديلِ والتغييرِ، الذي تطرَّقَ على غيرِه من الكتبِ، كالتوراةِ والإنجيلِ.

ومن ذلكَ: قولُه تعالى: {قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت: ٣١]، فقال إبراهيمُ قولَ من اعتقدَ أنَّ لوطاً وأهلَه مُهلَكين أيضاً: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت: ٣٢] فقال الملكُ: {قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} [العنكبوت: ١٣٢] وهذا بيان تأخَّرَ عن خطابٍ، فقد بانَ [بُطلانُ] (١) دعواهم إحالتَه.

ومنها أيضاً: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧]، فلما سألوا عن حقيقةِ ما أمرَهم بذبحِه من البقرِ، بيَّنَ ذلكَ بعد الخطاب بياناً كشفَ عن أنَّه أرادَ به البقرةَ الجامعةَ للصفاتِ المذكورةِ، وهذاَ بيان بعد خطابٍ متأخِّرٌ عنه.

ومن ذلك: قوله تعالى في قصة نوح: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [المؤمنون: ٢٧]، وقولُ نوحٍ لمَّا رأى ولده يغرقُ: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود: ٤٥]، فبيَّن له بقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: ٤٦]، الذينَ أمرناكَ باستصحابهِم في السفينةِ، {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: ٤٦] فأخَّر بيانَ اشتراطِ العملِ الصالح مع الأهليةِ، عن أمرِه له بأن يَسلُكَ فيها من كلٍّ زوجينِ اثنينِ وأهلَهَ.

فإن قيل: إنَّ اللهَ سبحانَه لا يخلُّ بالبيانِ عن نفس الخطابِ، ولا أخلَّ به، إنَّما يُدْهَى المكلفون في ذلكَ من قِبَلِ إهمالِهم التأملَ


(١) زيادة يقتضيها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>