للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنظرَ في معاني كلام الله، وما أودَعه من البيانِ، فإن اللهَ سبحانَه لَما قالَ له: {وأهلكَ}، عقَبه بالاستثناءِ فقال: {إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} [المؤمنون: ٢٧] ثم عقَّب ذلك بأظهرَ منه بياناً، فقال: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [المؤمنون: ٢٧]، وابنُه كان ممَّن كفرَ، وكان ظالماً، فقد أخرَجه من جملةِ الأهلِ بالاستثثاءِ، والنَّهْي عن الخطاب فيه، ولولا ذاكَ، لما قال له: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: ٤٦،]، وإنما نفى الأهليةَ عنه التي أَمَرَه بأن يسلكَها السفينةَ.

وكذلكَ قال للوط: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} الى قوله: {إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: ٨١] إلى قوله: فما زالَ سبحانَه يستثني ويبيِّنُ لهم، وينسيهم ويُذهلُهم عن الفهمِ محبةُ الأهل، وفرطُ الإشفاقِ، فيؤتَونَ من قِبَلِ نفوسِهم في ذلكَ، لا لأنَّ الكلامَ يفتقرُ إلى بيان يتأخرُ عنه، وبمثلِ هذا ذَهَلَ أهلُ الإلحاد المبطلينَ لمناقضةِ القرآنِ، عن معنى قوله عزَّ وجلَّ لآدمَ عليه السلام: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [طه: ١١٨]، وقوله: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه: ١٢١] , {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف: ٢٢]، فعَرِيَ مع وعدِه بأنْ لا يَعْرَى فيها، وجهلوا ما طُويَ في الوعدِ من الشرطِ، وهو قوله: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: ٣٥] {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [طه: ١١٨] فكانَ المفهومُ من الشرطِ: أن لا يقربَ الشجرةَ، فلا (١) يجوع ولا يعرى، فلمَّا تركَ ما شُرِطَ عليه، سقطَ ما شُرِطَ له. وكلُّ ما أخرجَه البيانُ، وجَبَ عليهم


(١) في الأصل: "لا".

<<  <  ج: ص:  >  >>